سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في ندوة نظمتها الجمعيّة التّونسية للتربية والثقافة بمدينة العلوم احتفالا بلغة الضاد: العربية اللسان الرابع في الترتيب العالمي من جملة أكثر من ستة آلاف من الألسنة الحية
نظّمت الجمعيّة التّونسية للتربية و الثقافة ندوة حول – حيويّة العربية – بمدرج الخوارزمي بمدينة العلوم يوم 18 ديسمبر مساهمة منها في الاحتفال باليوم العالمي للغة الضاد. وقد شارك فيها عديد الجامعيين والإعلاميين والحقوقيين وأهل المعرفة والعلم. وقد استهلّ اللقاء الأستاذ رضا الكشتبان رئيس الجمعيّة المنظمة بكلمة بيّن فيها أنّ اللغة العربيّة تستمدّ قيمتها من قوّة حضورها عبر التّاريخ أداة حاملة لمخزون حضاريّ تتنوّعُ فيه شجرة أفنَان المعرفة عبرَ الأقاصي البعيدة من فكر و فلسفة و طبّ وفُنُون و أدب بجميع أنماط الكتابة ،وقَد رأى أنّ العربيّة ظلّت حيّة حيويّة تكتسحُ المنظّمات والمنتدَيات العالميّة و يتردَّدُ صَداها من الحواضِرِ إلَى البوادي ومن أيّام الجاهليّة إلى يومِنَا هذا مًتأصّلة متجَدّدة ، ثابتة متحوّلة عَتيقة حديثَة ، تَختَزِلُ الكلاَمَ تارَة وَتُطنِبُ تارة أخرى، حاضرة بخطوطها ورسومِهَا ونثرهَا و فُنُونهَا وفلسفتها وعلُومها .. ومن بين أبرز المحاضرين في الندوة نذكر الأستاذ محمّد صلاح الدين الشّريف وهو من أعلام اللغة العربية الذي تحدث عن - حيويّة العربيّة في مختلف المجالات - واعتَبَرَ أنّ العربيّة،كانت إلى حدود القرن السادس عشر اللسان العالميّ الأوّل، تدحرجت خلال القرون الماضية إلى المرتبة الثامنة أو ما بعدها، ثمّ عادت إلى الصعود في أوائل القرن العشرين لتصبح في الإحصائيّات العالميّة لسنة 2017، ومن جملة ما بين الستّة والسبعة آلاف من الألسنة الحيّة، هي اللسان الرابع في الترتيب بعد الصينيّة والأنقليزيّة والإسبانيّة، بحسب عدد المتكلّمين بها، وقبل الكثير من الألسنة التي تعدّها وسائل الإعلام والدعاية قبلها. فهي من الألسنة الخمسة المستعملة رسميّا في المنظّمات التابعة للأمم المتّحدة، وهي الوحيدة التي فرضت نفسها بقوّتها الحضاريّة التاريخيّة، وبأهمّيتها الثقافيّة دون أن تكون من الدول المنتصرة في الحروب الاستعماريّة الكبرى بعد 1945. فوراء العربيّة، تاريخ حضاريّ مثّل في تاريخ البشريّة مرحلة الانتقال من العصور القديمة إلى العصور الحديثة، وإلى الآن مازالت الجغرافيا السياسيّة واللغويّة العالميّة متشكّلة جزئيّا بما خلّفته الحضارة العربيّة الإسلاميّة. وتمثّل المنطقة التي تحتلّها العربيّة منذ القديم، وفي الوقت الحاضر منذ القرن التاسع عشر، من أسخن المناطق في الصراعات العالميّة، سواء أكانت سياسية واقتصاديّة وعسكريّة أم كانت حضاريّة وثقافيّة دينيّة. فهي عرضة لكثير من المناورات والتخطيطات الإستراتيجية. والعربية هي اللسان الأوّل في إفريقيا، وتتقدّم بنسبة متصاعدة على الألسنة الاستعماريّة كالإسبانيّة والبرتغاليّة. وهي المزاحم الأساسيّ لانتشار الفرنسيّة في القارة السمراء إلى حدود 2060 على الأقلّ حسب إحصائيّات المنظّمة الفرنكوفونيّة، رغم انعدام كلّ سياسة لغويّة عربيّة في المجال. أمّا في آسيا، فبعد انتكاسها في الهند شرقا وأندونيسيا جنوبا والمناطق التركمانيّة في الوسط، عادت إلى بعض حيويّتها في كلّ هده المناطق بنسب مختلفة. أمّا في المجال الإيرانيّ والأرديّ فقد حافظت على أهمّيتها في مقاومة الاستعمار الحديث كقوّة ثقافيّة حضاريّة تعتمد الخلفيّة الدينيّة وتستعملها لفرض ألسنتها القومية. وفي العموم، وحتّى في العالم العربيّ نفسه، حافظت العربيّة على صبغتها اللاقوميّة المميّزة للألسنة العالميّة والحضاريّة الكبرى المازجة بين الشعوب كالإسبانيّة أو الأنقليزيّة. فليس كلّ المتكلّمين بالعربيّة عربا، ولا مسلمين سنّيّين. تتمتّع العربيّة، كأغلب الألسنة الكبرى، بثراء لهجيّ، يساعد على بقائها وانتشارها في عالم يموت فيه أكثر من لسان في الشهر وعشرات اللهجات. وهي كالصينيّة والألمانيّة وعشرات الألسنة الأخرى، تدور لهجاتها حول دارجة مشتركة. ومن مظاهر الحيويّة المخوّلة لتسميتها بالدارجة شيئان: استعمالها المخصوص في المجالات العامّة المشتركة كالإدارة والصحافة والتعليم والقضاء وفي الكثير من الاجتماعات الرفيعة، وتواترها المكثّف زمانيّا في الأمكنة المختلفة، بحيث لا تمرّ ثانية في العالم لا تستعمل فيها هذه الدارجة الحيّة عند آلاف المستعملين بثّا وتلقّيا في المجالات الحيويّة الرسميّة كالاتّصال الشفوي والمكتوب في مختلف الحوامل من إذاعات وتلفزات وجرائد ومحاضرات وكتب ومرافعات ومعاملات ومنها الشبكيّات الرقميّة. عربية المستقبل ومن جهته تحدث الأستاذ فرحات المليح عن عربيّة المستقبل: إحداثياتُ الوُجُودِ الحَيِّ : فقال: إنّ الحديث عن عربيّة المستقبل باعتبارها صورة تجديديّة مفترضة لواقع لغويّ منهك تعيشه اللغة المعياريّة في بلادنا، يقتضي في رأينا توجيه الإشكاليّة إلى المحاور التّالية: - هل ثمّة من اختلاف في حالات اللغة العربيّة بالنّظر إلى الحقبة الزّمنيّة إلي تستضيفها؟ لمّا كان الوجود بالمطلق وجودا حيّا فما هي التّقاطعات التي ينبغي أن تمتثل لها هذه اللّغة؟ ما علاقة اللغة بالإنسان؟ وفي محاولته لتحليل هذه الفرضيات قال المتحدث: إننا نعتبر كلّ لغة حاملة للثقافة وكذا اللغة العربيّة اذ اضطلعت منذ قرون طويلة بمهمّة نقل الثقافة من حقبة زمانيّة إلى أخرى وتوريثها من جيل إلى آخر، والثقافة ههنا تتجاوز معناها التقليديّ لتمثّل لتجربة الإنسان في التّاريخ، فبهذا المعنى نرى بأن الوظائف الأساسية للغة هي الوظيفة التواصليّة ووظيفة اختزان التّجربة وتمثيلها ووظيفة نقل المورّثات من جيل إلى آخر - ولم تكن اللغة العربيّة في كل العهود معزولة عن القيام بهذه الوظائف ولم تكن أيضا خارجة عن الزمن الكرونولوجي لمتكلّمها فقد رافقته على نحو ما كي يبني وجوده الذي اتّخذ ملمحين رئيسيين أولها وجود فرديّ يمثّل ما نسمّيه الهويّة وثانيهما وجود مشترك يستضيف الآخر ويفتح معابر بين الثقافة المحليّة والثقافات المجاورة، غير أن اللافت للانتباه والمدهش في آن هو أنّ اللّغة باعتبارها نشاطا ذهنيّا جماعيّا تجمع بين حركتين مركزيّتين: الأولى تقليص العمليّات الأساسيّة المنتجة لها إلى حدّها الأدنى، والثّانية، هي إعمال منطق التوقّع والتّوليد للتغلّب على الزّمن، من المعلوم أن كثيرا من الألسنة قد خرج عن الاستعمال لا بسبب أصيل فيه أو قصور في نظامه التواصليّ بل إلى موت النّاس الذين يتكلّمونه فانقراض الألسنة هو الوجه الظّاهر من انقراض الإنسان، ومتى اعتبرنا اللّغة كائنا حيّا فإنّ حصارها وسجنها في دائرة زمنيّة أو مكانيّ مغلقة يجعلها تُنهك وتصير إلى التّلاشي واعتمادا على الوصل الاستراتيجي في تقديرنا بين اللّغة العربيّة ووجود متكلّمها فإنّ عربيّة المستقبل محتاجة إلى رسم إحداثيات جديدة ملمحها الاساسيّة شراكة فاعلة بين اللغة والإنسان فوجودها الحي من وجوده الحيّ.