ربما شاء القدر الا تكون تونس وهي الاكثر تجانسا بين كل الدول العربية مهدا لصراعات عرقية او طائفية أو دينية ولكن ذلك لم يجنبها خطر الصراعات الحزبية التي توشك ان تغرق البلاد وتدفع بها الى أسوإ السيناريوهات مع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات البلدية المرتقبة خلال ثلاثة أشهر والتي ستكون المقياس للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة والحسابات المعلنة والخفية للأحزاب المتناحرة في المشهد السياسي المحكوم بعقلية الغنيمة والزعاماتية المفرطة.. ولو أننا حاولنا استقراء المشهد الراهن في بلادنا لوجدنا أن هذا التناقض الذي نسجله ليس الوحيد الذي نعيش على وقعه مع استمرار موسم الاحتجاجات على قانون المالية والتي انطلقت سلمية قبل ان تحيد بقدرة قادر على مسارها وتتحول الى احتجاجات ليلية عنوانها النهب والسلب ونشر الرعب والفوضى والخراب بين الناس... آه يا بلادي.. آه يا تونس فكلما توقعنا تحقيق الخلاص والخروج من النفق الا وسقطت كل الرهانات لنعود الى نقطة البداية ونتطلع الى صحوة تأبى أن تتحقق لدى اصحاب السلطة وصناع القرار ممن اعمتهم صراعاتهم وصرفتهم عن الانتباه لنبض الشارع ومعاناة المواطن اليومية.. لا أحد اليوم وأيا كان موقعه في السلطة قادر على استقراء المشهد الغامض أو الاجابة على السؤال الذي يؤرق التونسيين اليوم الى اين تتجه البلاد؟ نقول هذا ونحن نتطلع الى قائمة المتناقضات التي نعيش على وقعها اليوم في الذكرى الس ابعة لثورة ولدت كبيرة في أحلامها وتطلعات أبنائها وحملت شعار الحرية والعدالة والكرامة قبل أن تبدأ في التراجع والاضمحلال.. طبعا الامر لا يتعلق بما نعيشه من احتجاجات لا نخالها الا عابرة وسنعود بعدها لرصد حجم الخسائر التي لتزيد ارهاق كاهل الجميع بإعادة اصلاح وبناء ما احرق او خرب من طرقات ومقرات امنية وفضاءات تجارية وغيرها.. ولكن بما حدث على الحدود بيننا وبين الجزائر من مشاهد مرت في صمت مهين.. ومن ذلك مشهد عدد من المواطنين الغاضبين الذين ولوا وجهتهم الى الحدود الجزائرية حاملين الراية الجزائرية في محاولة للتعبير عن غضبهم من السلطات المعنية في تونس بسبب ضنك العيش والحقرة والتهميش والفقر وغياب العدالة الاجتماعية.. وهي صورة تكررت اكثر من مرة ولا يمكن باي حال من الاحوال ان نجد لها تبريرا مقنعا فبلادي تظل علي عزيزة حتى وان جار علي اهلها وسلطانها.. قد يقول البعض وفقا للمثل الشعبي «ما يحس الجمرة كان يلي يعفس عليها» وهي حقيقة أيضا ولا مجال للمزايدات في مشاعر الوطنية.. ولكن الحقيقة أن في التناقض التالي الذي نتوقف عنده ما يفترض اعادة تحديد الكثير من القيم والمفاهيم المتداولة.. وعندما يعود العشرات من الجزائريين أدراجهم ولا يتمكنون من عبور الحدود الى بلادنا عبر المركز الحدودي بالحدادة، بولاية سوق أهراس، باتجاه منطقة ساقية يوسف، بسبب تصاعد الاحتجاجات فإننا لا نفهم الحقيقة كيف يمكن لغلق الحدود التونسيةالجزائرية أن يساعد على حل القضايا الاجتماعية الشائكة.. حجارة ومتاريس وعجلات مطاطية تسببت في شلّ حركة العبور بين البلدين من جهة منطقة ساقية سيدي يوسف ومنعت الجزائريين القادمين الى بلادنا للتداوي او قضاء شؤونهم من ذلك.. كم مرة سنقول آه يا بلادي ونحن نشهد كل يوم اصرارا مقيتا على الدفع بالبلاد الواقعة بين مطرقة حكومة عاجزة عن استباق المخاطر رغم كل نواقيس الخطر والانذارات التي أطلقت وبين سندان قيود النظام السياسي الذي نكتشف كل يوم أنه يحول البلاد الى رهينة في ايدي الاحزاب وربما يزيد دفعها الى المجهول بعد الانتخابات البلدية..