د.خالد الطراولي يتواصل أمام أعيننا تحالف لم يكن لأشهر القارئين في الفنجان أو العرافين أو الملاحظين السياسيين أن يستقرأوه أو يخطّوا سطرا من أجندته. بين من يقول ضربة لازب وتكتكة من الصنف العال ودهاء سياسي راقي، وبين من يبتذل اللقاء ويعتبره من باب "مكره أخاك لا بطل" ، يكتب تاريخ جديد لتونس في حكم النهضة والنداء. لقاء الشيخين تحت أضواء كاشفة مجهولة وفي حماية معتبرة داخلية وخارجية دخلت تونس في تجربة لقاء الأضداد وتعاون الخصوم، نسيان ماضي واستبعاد التاريخ في اجتماع للضحية والجلاد. هذه الحالة الجديدة التي أوقدت لها الشموع و اعتبرت حالة تونسية منفردة تتركز أساسا على التزام أخلاقي وسياسي ومنفعة جماعية يتقاسمها الطرفان، حماية للنهضة وأبنائها وبقائهم في مشهد مهتز ومخيف حتى لا تعاد نكبة التسعينات، والنجاح في البقاء انتصار في حده الأدنى، والنجاح في الحكم والحكومة نجاح في بابه العالي. أما النداء فربحه مضاعف طي صفحة الجلاد والاستبداد، وتبييض المكان حتى يبنى المستقبل على بياض، فالمصالحة مع ضحية الأمس ووضع اليد في اليد انتصار على التاريخ ونسج انتصارات المستقبل، كما أن هذا اللقاء يوزع كاهل الحكم غير المريح ويسحب عن غريمه أي هروب من تحمل مسؤولية حكم عصيب واستبعاد لدور مريح لمعارضة الحكومة في وضع صعب وفي بلاد على كف عفريت. هذا التحالف لن تكون ثمرته كما عنيناها سابقا من تقاسم الأرباح والمصالح إلا إذا كان التنظيمان يعيشان انسجاما داخليا يوفر لهما راحة البال ويجعلهما بمنأى عن أي تهديد لهذه المنهجية الرابحة، وهنا مربط الفرس وهنا تقرأ استفاقة الرئيس السبسي حيث وجد "الماء يجري تحت ساقيه" لن يستطيع حزبه التواصل على مستوى الندية وحتى التفوق على الطرف الآخر إذا كان البيت خربا منحلا ومدعاة للسقوط، كان مؤتمر سوسة مهيأ للم الشمل أو استبعاد فريق صغير لا يزعج كثيرا، لكن الأمر تطور وأصبح البنيان كلية مهدد بالسقوط ومن ورائه هذا التحالف. استدعاء الأستاذ مرزوق للقصر وخروج بعض الأحاديث من هنا وهناك حول تغير المناخات يطرح منهجية جديدة أصبح القصر يعيها جيدا ويتسائل هل نواصل هذا التحالف المنخرم ام نعلن العصيان ونضحي به ويعود النداء كمتاريس ضد "مشروع مجتمعي ظلامي" أمام "مشروع وطني حداثي"، ومواجهة جديدة ولكن حريرية هذه المرة مع النهضة وليست بالشدة السابقة. يبدو أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه الشيخان هو أن كل طرف لم يفهم الآخر حول ماهية هذا الحلف، فالنهضة تراه استراتيجيا حتى تبقى، فالبقاء صراع وجودي، والنداء يراه حلف آني، لقاء مرحلة وتكتيك لحظة، فهل يضحي السبسي بالغنوشي ويضحي النداء بالنهضة، الجواب مرتبط بالداخل ولا شك ولكن هناك عيونا لا تنام خارج الأسوار. Publié le: 2016-01-18 18:16:18