كثيرا ما تظلم الكتاب من عدم تفاعل مخرجي المسرح والسينما مع كتاباتهم، وقالوا إن إبداعاتهم كثيرا ما يطويها النسيان وخاصة اذا لم يعملوا على نشرها وهذا رغم ان رواياتهم وقصصهم او نصوصهم المسرحية محيّنة وصالحة لإنجاز أعمال مسرحية حداثية وتأخذ بعين الاعتبار كل ما هو جديد ومواضيعها تتناول قضايا راهنة وعميقة وتصلح للمسرح. وكثيرا ما رفض المسرحيون والسينمائيون هذا التظلم ولاحظوا انه لا يوجد لدينا في تونس من يكتب للسينما او للمسرح وان الموجود من الروايات والقصص او النصوص لا يمكن تحويله على الركح لذا هم يفضلون ان يجتمعوا حول فكرة يولدونها ويطورونها ويبلورونها ويكتبوا لأنفسهم نصوصا حتى وان كان اغلبها لا يرقى ولولا استفادتها من بقية العناصر المسرحية والركحية والرؤية الإخراجية للمخرج لما استطعنا ان نقول عنها مسرحيات أصلا. هذه العلاقة الجدلية بين الكتاب والمسرحيين أثيرت في الندوات الصحفية لعروض المهرجان العربي للمسرح الذي اختتمت امس دورته العاشرة في تونس ولاحظ اغلب المخرجين فيها ان الكتاب لا يكتبون للمسرح وان تحويل بعض الاعمال الإبداعية الأدبية إلى كتابة ركحية صعب جدا ويحتاج الى وقت كبير إضافة الى ان بعض الكتاب وخاصة الكبار منهم لا يقبلون الكتابة الركحية ويرفضون المعالجة الجديدة من حذف وإضافة وهي لازمة .. وهو ما دفع بعض الحاضرين في المؤتمر الفكري للمهرجان العربي للمسرح - وبعد ان اكتشفوا ان عرضين فقط من جملة 27 مسرحية استندا الى نصوص مؤلفين عربيين واحد منهما عرض «صولو» للمخرج المسرحي المغربي محمد الحر وهو عن رواية «ليلة القدر» للأديب المغربي المقيم في فرنسا الطاهر بن جلول – إلى المطالبة بضرورة الحرص لاحقا على ان يكون للعروض مؤلف ومخرج على الأقل في المسابقة الرسمية للمهرجان وهذا في اطار تشجيع كتاب المسرح على استعادة تحمسهم للكتابة والنهوض بمستوى النص وخاصة منه المكتوب باللغة العربية الفصحى هذا لان النص اصبح يضيع وسط بقية العناصر الركحية حتى انه هنالك من المخرجين والنقاد من اصبح لا يرى له مكانا أصلا في العرض المسرحي.والحقيقة ان المسرح التونسي الذي يرى النقاد العرب انه رائد وانه القاطرة التي تتبعها بقية المقطورات العربية استفاد كثيرا من كتاب النصوص المسرحية ومن الكتابات الأدبية (قبل انتاج المسرح الجديد لنص مسرحية «غسالة النوادر» سنة 1980 التي اختلف نصها تماما مع ما كان سائدا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي على المستويين الجمالي والفكري) عندما تمت الاستعانة بعز الدين المدني الذي تزعم تيار المسرح التراثي وسمير العيادي وعروسية النالوتي والحبيب بولعراس.. وعندما قدم محمد ادريس مسرحية «حدث» عن كتاب «حدث أبو هريرة قال» للكاتب محمود المسعدي الذي لم تعجبه وقتها الكتابة الركحية والرؤية الإخراجية مما اضطر ادريس الى تقديمها بلا صوت أي بلا نص.ولعل هذا الإشكال الذي حدث بين محمد ادريس ومحمود المسعدي من الأسباب التي جعلت المسرحيين يحجمون عن الاستعانة بالكتاب ويستبعدون حتى كتاب المسرحيات مثل الناصر التومي ورضوان الكوني وغيرهم. ولكن هل يحتاج المسرح اليوم الى مؤلفين وكتاب نصوص بعد ان أصبح المسرح ارتجاليا وأصبح النص يكتب جماعيا على الركح ومن خلال إيقاعاته ويشترك فيه المخرج والممثل والسينوغراف ويتأثر النص خاصة برأي الممثلين وأحاسيسهم وانفعالاتهم.