نظم نادي السرد التابع لاتحاد الكتاب التونسيين يوم الجمعة 27 مارس جلسته الاولى لهذا الموسم التي ترأسها الكاتب يوسف عبد العاطي العائد الى تنشيط هذه الجلسات بعد سنوات من الغياب وقد نزّل الجلسة في اطار الاحتفال باليوم العالمي للمسرح من ناحية ومساهمة من الاتحاد في الاحتفالات بمائوية المسرح التونسي من ناحية ثانية وذلك بتقديم نص مسرحي لم يقدم قط على الركح نشره مؤخرا الاديب الناصر التومي تحت عنوان «الخسوف». وقد تولى الاستاذ سالم اللبان تقديم دراسة نقدية لهذه المسرحية استهلها بالثناء على عمل الاتحاد على العودة الى سنة طرح قضايا الراهن الثقافي التونسي للتحاور والنقاش في شأنها.. ثم قال: «بما ان الجلسة تتزامن مع احتفالنا باليوم العالمي للمسرح فلا بد لنا من ان نشير الى ان قضية القضايا المطروحة على الساحة المسرحية هي قضية النص المسرحي وضرورة البحث عن اسباب ما يبدو انه قطيعة بين من عرفوا بانهم كتاب والذين عرفوا بانهم مسرحيون باستثناء عز الدين المدني وسمير العياري ومصطفى الفارسي ثم تناول مسرحية «الخسوف» من ثلاثة مداخل هي: حديث الجنس والمحيط حديث الانجاز الركحي. حديث التيارات المسرحية. فلاحظ في المدخل الاول ان الناصر التومي استعمل الستار الأحمر والقناعين (الباسم والحزين) وكلمة مسرحية لتنبيه القارئ الى جنس النص ورأى ان في هذا تكرار مبالغ فيه وان واحدة من بين الثلاث معلومات تكفي. اما عن القائمة التي ضبط فيها الشخصيات واوردها في بداية مسرحيته فقد اشار الى ان هدفها تقني بحت هو جرد للشخصيات الموجودة في النص وترتيبها تفاضليا حتى يعرف المخرج كيف يوزع الادوار دون ان يعود في كل مرة الى داخل النص للبحث. وتساءل عن مدى التزام الناصر التومي بالشخصيات التي عددها في القائمة؟ مؤكدا على ان الجرد يؤكد ثانية ان الكتابة المسرحية لا تنطلق من صفحة بيضاء اولى الى صفحة بيضاء اخيرة وانما من شخصيات مسرحية تبنى صوتيا واجتماعيا وجسديا. ثم تبث فيها الروح. محاولات لاحياء المسرح الاحتفالي.. في الجزء الخاص بالحديث عن التيارات المسرحية تساءل سالم اللبان عن علاقة الناصر التومي بالممارسة الركحية أو المسرح وعما اذا كان نشره نص «الخسوف» سنة 2008 بالذات موقفا في صلب الممارسة المسرحية اليوم خاصة وقد استعمل اللغة العربية الفصحى. واذا تم ربط هذا الاختيار بالتظاهرة التي تم تنظيمها مؤخرا «المسرح بلغة الضاد» والتي اتخذت شكل الموقف المنتصر لعودة اللغة العربية الى الركح وهو موقف له رواد نشطوا خاصة في السبعينات وعلى رأسهم عز الدين المدني الذي يطالب اليوم بعودة النص في مساندة لحمادي المزي الذي بقي وفيا للغة العربية الفصحى رغم انه اشتغل على نصوص بالعامية وعبد الغني بن طارة الذي عاد بنصوص للمغربي عبد الكريم بن رشيد وبعث «بيت الاحتفال» وهذا يذكر بحركة سادت في الستينات وارتكزت على اللغة العربية والنظرة القومية كفكرة العودة الى الماضي لتنهل منه المسرحيات على انه ماض مفيد.. ولغة الاسقاط على احداث مضت تجنبا للرقابة والصنصرة. وعودة المسرح الاحتفالي تطرح ألف سؤال فهل للناصر علاقة بهذا التيار؟ لا مجال اليوم لمسرح يعتمد التورية وعن موضوع المسرحية الذي يروي حكاية وحش دكتاتور جبار يحكم مدينة يتحدى سكانها ان يحلوا لغزه ويعد من ينجج في ذلك بان يتسلم الملك عوضا عنه فيصل رجل غريب ويحل اللغز وينصب حاكما جديدا فيصبح وحشا آخر يفرض الضحك على رعيته. فقد لاحظ الناقد ان الكاتب الناصر التومي عقد من خلاله الظواهر الاجتماعية القائمة على ثنائيات القوي والضعيف الغني والفقير ورفع شعارات بعضها صريح وبعضها ضمني ثم سأل: هل يكفي المسرح تسجيل مواقف؟ هل الفن هو ما نريد قوله أم كيف نقوله وبأية ادوات؟ وأية اهمية للموضوع المطروح امام زاوية النظر وحديث زاوية النظر يقود الى مسألة الزمان والمكان. وقد لاحظ في خصوصهما الناقد خلطا غير متعمد واستهجن فكرة ان تصدر مسرحية سنة 2008 تعتمد على التورية والرموز الغامضة في تونس التي شهدت سنة 1976 مسرحية ك«غسالة النوادر» التي سمت الاشياء بأسمائها. كما بين الناقد ان عدم دراسة الشخصيات وبنائها مسبقا جعل الكاتب يخلق شخصيات ويوردها عن القائمة الاولية ولكن عملية الكتابة قادته الى تهميش الشخصيات الرئيسية التي ذكرها وخلق شخصيات جديدة حتى اصبحت تدخلات الهامشيين اطول من الشخصيات الرئيسية وغاب مثلا الخضار والفحام واهل الحارة الذين ذكروا في القائمة. الادباء يكتبون: المسرح للقارئ لا لصانع الفرجة وهذا يطرح سؤالا هل اعاد المؤلف قراءة نصه؟ ليكتشف اللامنطق الذي عرض عليه بعض الاحداث والشخصيات وقد ذكر امثلة من نص المسرحية وخلص الى ان المسرحية كتبت للقارئ لا للمخرج لان الكاتب المسرحي هو كاتب مساند للمخرج ولا يعقل ان يخادعه او يفاجئه كما يفعل مع القارئ ولعل مثل هذه الاختيارات هي التي صنعت القطيعة بين كتاب النصوص والمخرجين واكد على ان الناصر التومي كتب المسرحية كما يكتب نصا أدبيا لقارئ لا لصانع فرجة (المخرج) نصا ينخرط فيه تيار مازال ملتصقا بأسئلة البدايات وانه على الكتاب اذا ارادوا ان ينهضوا بالكتابة المسرحية ان ينخرطوا في تقنيات المسرح وان يتعلموا ادوات الكتابة للمسرح. تدخلات الحاضرين افتتحها مصباح بوجبيل الذي عاب على الدارس وقال له: «تجاوزتنا وتجاوزت التاريخ لانك قررت من يكتب المسرح ومن عليه ان ينسحب ونسيت انك في تونس التي فتحت المجال لكل التجارب والكتابات ثم لماذا قرأت ونقدت النص كمخرج. ان النص ادبي وكان يبدو ان تقدمه بنقد ادبي. اما عمر السعيدي فقد اثنى على مجهود الدارس وقيمة المحاضرة وسأل: 1) هل كتب الناصر التومي نصه ليقرأ أو ليمثل؟ 2( الفداوي تكلم في الصفحة بالدارجة وحتى الصفحة 10 بالعربية الفصحى لماذا؟ 3) الكتاب يعتمدون على نص يرتكز على المركبات النحوية فهل تتحمل المسرحية هذا؟ وفي ردوده عن تساؤلات الحضور اثنى الناصر التومي على الجهد الذي بذله الناقد في قراءة مسرحيته ثم قال انه كتب المسرح في بدايته ولان مسرحيته «الملائكة والشيطان» ضاعت في وزارة الثقافة كما ضاع آخر فصل من مسرحية «عليسة» كما انه كتب نص مسرحية «الخسوف» في بداية السبعينات وقدمه لعدد من المخرجين والى وزارة الثقافة على مرحلتين دون ان يحظ باجابة او اهتمام.. وقال: «لقد قضت لجنة القراءة ولجنة التوجيه المسرحي على النص المسرحي التونسي فانا مثلا اعرض اعمالي على مخرجين منذ 30 سنة ولا أحد منهم اعطائي 10 دقائق لتفسير السبب الذي يجعل المسرحيين يرفضون الادباء بعد صد لجنة التوجيه المسرحي نجد صد الفرقة والمخرج الذي اصبح يفضل ان يشتغل مع افراد عائلته على ان يدخل معه شريكا. اما بالنسبة لنقاط اللامنطق التي تحدث عنها سالم اللبان فأقول ان المسرحية هي بالاساس اسطورة اردت من خلالها ان ابعث اللامنطق فوق الركح وبالنسبة الى التيارات المسرحية فأنا كتبت في اطار تجرية السبعينات ولم افكر من خلالها في التيارات المسرحية بل فكرت في مشاكل الشعوب مع سلطة الحاكم بصفة عامة. والزمن كنت واعيا به في القصة وفي المسرحية واردت فقط قفزة على الزمن.. المسرحية واقعة احداثها قديما».