لا بد من التأكيد على أنه من البداهة الإقرار بقساوة أوضاع المواطنين في عديد الجهات وتحديدا في منطقة الحوض المنجمي بفعل تراكمات عقود طويلة من التهميش والشعور بالغبن لكن التعبير عن جملة المشاعر المعتملة في النفوس والاحتجاج على سوء الأوضاع لا يمكن أن يكون إلا بالطرق السلمية ولا شيء غيرها. ولئن عاد الهدوء أمس إلى معتمديات المظيلة والمتلوي والرديف بعد احتجاجات على خلفية نتائج مناظرة لانتداب 170 عونا صلب شركة فسفاط قفصة فإن ما شاب التحركات الاحتجاجية من أعمال فوضى وتخريب مثل محاولة اقتحام مركزي الأمن والحرس وحرق سيارة خاصة وتهشيم واجهة فرع بنكي لا يمكن استساغته بل إنه يضر بشرعية مطالب المحتجين. وبعيدا عن القول بأن هناك مندسين بين المحتجين اقترفوا مثل تلك الجرائم لأن هذه المقولة كثيرا ما غطت عن جملة من الحقائق والوقائع وبات من الواجب تحمل الدولة مسؤوليتها كاملة أولا، من أجل صيانة هيبتها وثانيا، لتطبيق العقوبات على كل من تسول له نفسه الانسياق وراء أعمال التخريب والاعتداء على رموز سيادة الدولة. نتذكر كم أدت نتائج مناظرات تشغيل العاطلين عن العمل في السنوات السابقة وفي أكثر من مكان إلى احتجاجات وصلت حد قطع حركة المرور على بعض الطرقات، لكن عدم الرضى عن النتائج يفترض أن لا يتجاوز مطلب الطعن والاحتجاج السلمي والحال أن ما حصل في الحوض المنجمي من أعمال شغب لا يمكن فهمها أو تفهمها وبالتالي يضيع جوهر القضية بين التفرعات. ولا أحد يرضى بأن تشوب التحركات الاحتجاجية تصرفات غير مسؤولة وخارجة تماما عن السياق وهو ما تم التأكيد عليه خلال احتجاجات الأسابيع الماضية، والمهم التأكيد على أن نتائج مناظرة يفترض أن لا تؤدي إلى مصادمات مع رجال الأمن بما يثير الاحتقان والتوتر، والحال أن البلاد بسلسلة الاحتجاجات وما تخللها من أعمال نهب وتخريب تزداد صورتها سوءا في وقت يحلم فيه الجميع بالحد من وطأة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وفي ظرف بدأ فيه الإعداد للموسم السياحي ومحاولة جلب المستثمرين. بالتأكيد لا يمكن حرمان كل من يستحق من موطن شغل، ولا يجوز التلاعب بنتائج المناظرات ويبقى الأهم أن يعبر المعنيون بالأمر عن عدم رضاهم أو طعنهم في النتائج بطريقة سلمية وبما يحفظ هيبة الدولة التي يتعين أن يكون هناك إجماع بشأنها أما نتائج مناظرة، ورغم الرهانات فيها، فهي قابلة للنقاش، بل لا بد من فتح تحقيق إن لزم الأمر ليقتنع الجميع.