استفحلت في الآونة الأخيرة غيابات نواب الشعب سواء خلال الجلسات العامة أو في اجتماعات اللجان، وكثيرا ما يضطر الوزير الذي تقع دعوته لتقديم مشروع قانون أو لسؤاله عن ملف محدد الى انتظار حلول ركب النواب طويلا.. لكن أمس حصل العكس، اذ حضر النواب هذه المرة وغاب سمير الطيب وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عن الجلسة العامة المخصصة لمساءلته وأرسل كاتب الدولة عبد الله الرابحي ليعوضه. ولم يدر بخلد الرابحي أن هذه الجلسة التي أدارتها النائبة الثانية لرئيس مجلس نواب الشعب فوزية بن فضة ستتحول الى محاكمة قاسية لوزيره الى درجة تهديده بسحب الثقة منه والتشكيك في نزاهته باتهامه باستعمال سيارة الوزارة وسائقها للتنقل بصفته الامين العام لحزب المسار الى اجتماع عام يعقده حزبه في جربة. وألقى الحاضرون باللائمة على الطيب لأنه خير الذهاب الى اجتماع حزبي على تلبية دعوة رسمية وجهها له مجلس نواب الشعب السلطة الأولى في البلاد، وهناك من ذهب الى ابعد من ذلك وطالب رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإقالة اي عضو حكومة يتخلى عن مسؤوليته الرئيسية من أجل نشاط حزبي خاصة اذا وظف موارد الدولة للقيام بهذا النشاط. وكان مكتب مجلس نواب الشعب أقر الجلسة العامة لتوجيه اسئلة النواب الى وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري خلال الاجتماع الذي عقده صباح الخميس الماضي، وهو ما دفع النواب الى التساؤل لماذا لم يعتذر الوزير عن القدوم ولماذا لم يطلب تأجيل الموعد ولماذا لم يعلمهم بأنه لن يأتي ولماذا استهان بهم الى هذا الحد.. ورغم تعبير كاتب الدولة للنواب عن استعداده للرد على اسئلتهم فقد امتنعوا جميعا عن طرحها عليه وتعللوا بان النظام الداخلي لمجلسهم لا يسمح بذلك وقاطعوا في النهاية الجلسة العامة لكنهم قبل المغادرة لم يفوتوا الفرصة دون ان يوجهوا نقدا جارحا لسمير الطيب لأنه غاب عن جلستهم.. وخاصة لأنه غاب بسبب حضور اجتماع حزبي.. وينطبق على بعضهم المثل الشعبي القائل «مخيبك يا صنعتي عند غيري».. لأنه بالتثبت في الأسباب الحقيقة لاستفحال ظاهرة غيابات النواب سواء من خلال متابعة صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر صفحات كتلهم البرلمانية أو احزابهم السياسية يمكن التأكد ان جل الغيابات التي تزامنت مع اجتماعات تعقدها لجانهم او مع جلسات عامة للتصويت على قوانين، مردها انشغالهم بأنشطة حزبية بل بحملات انتخابية سابقة لأوانها.. ويكفي ان يطلب اي منهم من رئيس لجنته الذي يكون احيانا من نفس حزبه الاعتذار عن الحضور ليقع تسجيله في خانة المعتذرين لا المتغيبين وبالتالي لا يطبق عليه الفصل السادس والعشرين المتعلق بالخصم من منحة النائب المتغيب. وبالاطلاع على المعطيات المنشورة على الموقع الرسمي للمجلس المتعلقة بحضور النواب يمكن التأكد أن عدد المعتذرين يكون أحيانا أكبر بكثير من عدد المتغيبين وعدد الحاضرين. رفع الجلسة أمام اصرار النواب على حضور الوزير شخصيا رفعت فوزية بن فضة الجلسة العامة وقالت انها ستحيل الأمر على مكتب المجلس. لم يتردد النائب عماد الدايمي في تكذيب كاتب الدولة عندما أخبرهم أن الوزير في مهمة عمل استعجالية برمج موعدها قبل الجلسة العامة، وقال الدايمي انه يأسف جدا ويريد ان يتحدث بصراحة لان كاتب الدولة قال ان الوزير في مهمة استعجالية لكن في الصفحة الرسمية للوزير نقرأ دعوة لاجتماع شعبي مفتوح لحزب المسار الديمقراطي بحومة السوق جربة يوم امس السبت على الساعة الثالثة بعد الزوال.. وذكر النائب انه من حق وزير الفلاحة أن يكون له نشاط حزبي ولا مكن منع أي احد من أن يكون له نشاط حزبي لكن ليس على حساب واجبه تجاه مجلس نواب الشعب وبين الدايمي ان ما قام به وزير الفلاحة ليس فيه ادنى احترام الى نواب الشعب وفيه ضرب للدور الرقابي لمجلسهم وهو لن يشارك في المهزلة ولن يطرح سؤاله على كاتب الدولة رغم الاحترام الذي يكنه له. وبين الهادي صولة النائب عن النهضة أن ما حدث لا يليق بمقام حكومة الوحدة الوطنية ومجلس نواب الشعب ومن شانه ان يزعزع الثقة بين المؤسستين وقال : «المفروض ان البلاد تعيش ظروفا اقتصادية واجتماعية صعبة جدا وكان حري بأي عضو في حكومة الوحدة الوطنية ان يحرص على معالجة مشاكل البلاد عوضا عن بذل الجهد في مسائل حزبية فالبلاد عندما تغرق لن يفيد الحزب ولا المنظمة لذلك أدعو كافة السياسيين والنقابيين إلى تقديم مصلحة البلاد على مصلحة الاحزاب والمنظمات». واعتبر صولة اعطاء الوزير الاولية لاجتماع حزبي ليس فيه احترما للنواب وللمجلس التشريعي وتمسك بطرح سؤاله المتعلق بالتسميات التي تمت في وزارة الفلاحة عن طريق الولاء الحزبي على الوزير شخصيا. وعبرت النائبة عن الحرة لحركة مشروع تونس رابحة بن حسين بدورها عن استيائها لغياب الوزير وقالت انها احست بإحباط كبير لان وزير الفلاحة اعطى الاولية لعمل حزبي على حساب العمل الرقابي لمجلس النواب وتمسكت برغبتها في طرح سؤالها المتعلق بالتلوث البحري على كاتب الدولة وذكرت أن حركة مشروع تونس لها موقف واضح من اعضاء الحكومة الذين يعطون اولوية للنشاط الحزبي. واعتبر فيصل التبيني النائب عن حزب صوت الفلاحين الوزير هارب من مواجهة النواب وقال انه كان سيطرحه عليه سؤالا حول سوء تصرف الوزارة في المياه السقوية بجندوبة وطالب مجلس نواب الشعب بالتحقيق في موضوع الغياب ودعا رئيس الحكومة الى إيقاف مهزلة أنشطة أعضاء حكومته الحزبية واتهم التبيني الطيب باستعمال السيارة الادارية والسائق في النشاط الحزبي واستغرب كيف أن الطيب الذي كان يسب حزبا ان يصبح وزيرا في حكومة فيها هذا الحزب وكيف ان يتحدث عن التقشف وهو يبذر، وحذر التبيني المجلس من هذا الانزلاق الخطير المتمثل في الاستهانة بالسلطة العليا في البلاد ودعا الى تقديم لائحة سحب ثقة من وزير الفلاحة الذي لم يفد على حد قوله البلاد ولم يزر الفلاحين بل يقوم بمهمة ملحق اعلامي يتجول بين المنابر الاعلامية وطالب ادارة المجلس باصدار بيان توضيحي للاري العام للتنديد بالمهزلة التي تسبب فيها الوزير وبين ان الرأي العام يجب ان يعرف الحقيقة لان لوبيات الفساد تعمل اليوم على تشويه المجلس. وقالت هالة الحامي النائبة عن النهضة إن النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب نص على أن النائب يوجه سؤاله إلى الوزير لا الى كاتب الدولة وبينت أنها تدرك ان الجلسة العامة مكلفة لكن المجلس تحكمه قوانين ونواب الشعب هم الذين وضعوها وليس من المناسب ان يخالفوها وأضافت أنه بالإمكان تنقيح النظام الداخلي وتمكين كاتب الدولة من الاجابة عن اسئلة النواب نظرا لأنه هو بدوره حصل على الثقة من المجلس وعبرت عن اعتذارها لكاتب الدولة لأنها لن تطرح عليه اسئلتها ولأنها لن تخالف النظام الداخلي.. ◗ سعيدة بوهلال سمير الطيب يبرر تغيبه عن الجلسة العامة أكد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري سمير الطيب، امس، خلال زيارة ميدانية لمشروع محطة تحلية مياه البحر بجربة، أن عدم حضوره الجلسة العامة المخصصة لطرح أسئلة النواب الشفاهية كان بسبب مقتضيات مهام عمله الميداني. يذكر أن النواب قاطعوا جلسة عامة انعقدت السبت، تعبيرا عن إستيائهم لعدم حضور سمير الطيب للرد على أسئلتهم، والاكتفاء بحضور كاتب الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي. وعبر الوزير عن استعداده للإجابة عن كل تساؤلات النواب خلال جلسة عامة، السبت القادم أو في أي وقت لاحق. وأضاف أن كاتب الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري عبد الله الرابحي، الذي حضر الجلسة نيابة عنه، قادر على الرد عن كل استفسارات النواب وتقديم الأجوبة الضرورية باعتباره عضوا في الحكومة. وأوضح أن الزيارة الميدانية الى الجزيرة تهدف إلى متابعة ودفع استكمال «اللمسات الأخيرة» لمشروع محطة تحلية مياه البحر بجزيرة جربة نظرا لتسجيل تأخير في الإنجاز. وقال أن إشرافه على اجتماع حزب المسار الديمقراطي الإجتماعي بعد ظهر امس بجربة تقرر في إطار نشاطه خارج أوقات العمل.