أسدل الستار على فعاليات منتدى دافوس 2018 الجمعة بخطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب دام قرابة 16 دقيقة أكد فيه وبكل تحد وجرأة أمام عدد غير مسبوق من زعماء العالم الفاعلين السياسيين والماليين والاقتصاديين من أكثر من 140 دولة أن أمريكا فوق الجميع بتأكيده أن «أمريكا أولا».. كلمة ترامب وتصريحاته أمام صناع القرار السياسي والاقتصادي من قادة وممثلي حكومات الدول الصناعية المتقدمة إلى جانب مديري وممثلي كبرى الشركات العالمية متعددة الجنسية والمسيطرة على اقتصاديات العالم (الرؤساء التنفيذيين لأكبر ألف شركة في العالم)، جاءت لتؤكد مرحلة الخطر التي يمر بها العالم على المستويين السياسي والاقتصادي من ذلك احتمالات اندلاع حرب تجارية دولية في ظل ضياع مفهومي «التجارة الحرة» و»الاقتصاد الحر» وإضرار هذه «الحرية» بمصالح أغلبية الدول خاصة في ظل سيطرة الصين وسلعها على الأسواق العالمية.. الحرب التجارية بدأت ملامحها تظهر منذ مدة خاصة أمام تضارب المصالح وانقسام العالم إلى أكثر من كتلة يمكن جمعها في: أولا معسكر العولمة والاقتصاد الحر والتجارة الحرة الذي تقوده أوروبا (فرنسابريطانيا وايطاليا خاصة) وآسيا (الصين خاصة) وكندا، وثانيا معسكر الحماية التجارية الذي تقوده الولاياتالمتحدة برؤية انعزالية تطالب من خلالها بإجراءات متشددة وأكثر حمائية للاقتصاد العالمي وثالثا دول تحاول الجمع بين التيارين في إطار ما أطلقت عليه بالعولمة النظيفة (الهند مثلا) التي تقطع مع النظام العالمي الاقتصادي الراهن مع الإبقاء على المنظومات الاقتصادية الإقليمية وإعطاء صلاحيات أوسع لصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية للإشراف على كل المنظومة المالية والتجارية في العالم. وإذا كان الهدف من دافوس 2018 يتمثل في طمأنة الفاعلين الدوليين من المخاطر العالمية بما فيها احتمال مواجهة تجارية دولية فإن التقييم العام هو أن الوضع بقي غامضا على حاله فترامب واصل تهديداته للصين مهددا ب»حرب تجارية وعقوبات» ضدها وحتى مع العالم رافعا شعار «أمريكا أولا» معيدا التفاوض حول الاتفاقات التجارية التي وقعتها بلاده طيلة عقود وهو ما أدخلها في شبه عزلة بدت واضحة في فعاليات منتدى دافوس. إن الوضع التجاري العالمي الراهن والصراع الذي لاح في دافوس يتطلب فعلا إعادة نظر في أغلب أسس المبادئ الحالية التي تعتمد عليها التجارة العالمية من ذلك ضرورة وضع منظومة دولية للجباية في العالم تضع حدا لما يسمى بالجنات الضريبية والالتزام باقتسام أعباء البيئة والعمل على سد الفجوة الاقتصادية والتكنولوجية بين الشمال والجنوب وإلغاء المديونية عن البلدان الأكثر فقراً.. هذا إلى جانب صياغة وبناء علاقات اقتصادية دولية أكثر عدلاً وإنصافاً، ما بين الدول الصناعية المتطورة التي تشكل 20 في المائة من سكان العالم وبين الدول النامية أو في طور النمو التي تشكل 80 في المائة من السكان من جهة.. هذه العدالة وهذه التشاركية في تحمل أعباء العالم تلخص في الحقيقة كيفية الانتفاع بالجوانب الإيجابية للعولمة مع تفادي سلبياتها العديدة والمتعددة.