عادة ما يشبّه التونسي أسعار المواد الغذائية المرتفعة بأسعار الأدوية في الصيدليات في إشارة منه إلى أن أسعار المواد الغذائية أعلى من إمكانياته بكثير. وهي مقولة عفويّة لكنها معبّرة جدا خاصة إذا ما لاحظنا الارتفاع المجنون لأسعار الأدوية وأسعار المنتجات الأخرى من مراهم وكريمات لعلاج الأمراض الجلدية ممن يطلبها الطبيب دون أن تدخل في خانة الأدوية التي يعترف بها صندوق التأمين على المرض. والحقيقة وإن علمنا أن تراجع الدينار أمام العملة الأجنبية لا سيما وأن العديد من الأدوية تستورد من الخارج يمكن أن يكون سببا من أسباب ارتفاع أسعار الأدوية، فإن هذا لا يبرر هذا الارتفاع المجحف للأسعار التي يعجز الصيدلي أحيانا عن أن يفسره تفسيرا مقنعا أمام الحريف خاصة وأن المنتج الواحد يمكن أن يرتفع سعره بعشرات الدنانير في فترة قصيرة قد لا تتعدى أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر. وإن كنا لا نغبط الصيدليات حقها في الربح، فإننا نعتبر أن هناك استغلالا للمريض واستغلالا للوضع النفسي للمواطن الذي أصبح يتردد كثيرا على الصيدليات التي تكاد لا تخلو من الحرفاء نهارا وليلا. والتونسي اليوم ليس ضحية المضاربين في الأسواق فحسب وإنما هو أيضا ضحية الدعاية التي تبث فيه الخوف من الأمراض المعتادة وتجعله يهرع بسرعة للصيدليات. ولنا أن نشير إلى أن عدة صيدليات وضعت يافطة توجهت بها إلى الحريف تعلمه فيها بأن الأسعار ارتفعت مع وعد بوضع قائمة للأسعار الجديدة وترجئ التنفيذ إلى موعد لاحق قد يأتي وقد لا يأتي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنه يتوقع أن تشهد أسعار العديد من المراهم والكريمات ارتفاعا في الصائفة القادمة تيّمنا بقاعدة العرض والطلب وقد أعلم البعض من الوسطاء التجاريين بعض الصيدليات بامكانية مزيد الترفيع في هذه المواد وهو ما يعني أن الحرفاء سيجدون أنفسهم أمام أمرين اثنين: إما مقاطعة المواد التي يحتاجونها مع ما يعنيه ذلك من إهمال للصحة، أو تحمل النفقات الكبيرة التي تكون عادة أكبر من إمكانياتهم. وقد وجب التنبيه في هذا الباب إلى وجود مفارقة عجيبة في هذا البلد، فالعديد من أطباء الاختصاص والباحثين يؤكدون على أن الأمراض تتغير مع تغير الظروف المناخية فتظهر أمراض جديدة نتيجة الظروف المناخية وتطور العصر إلا أن المشرّع التونسي يتمسك بنفس التصنيفات ويعتبر أن عددا من العلاجات للأمراض الجلدية مثلا تدخل في باب التجميل وبالتالي لا يمكن استرجاع جزء من المصاريف في صورة استعمالها. ولئن كان الإعلام يركز عادة على أسعار المواد الغذائية فإنه من الضروري أن يقع تسليط مزيد من الأضواء على أسعار الأدوية ومختلف المنتجات العلاجية بالصيدليات فهي على ما يبدو خارجة عن المراقبة.. ونشير بلا تردد الى أن اقتناء الدواء المناسب اليوم هو عبارة عن معاناة لمن كانت إمكانياته قليلة وما أكثرهم في تونس اليوم، هذا دون أن نذكر التفاصيل الأخرى من بينها عدم توفر الدواء في الحين أو عدم وجوده أصلا رغم أن الطبيب نص عليه في الوصفة الطبية... ونحن في هذا الباب لا نتهم أحدا وإنما نطالب بفتح الملف لإيجاد حل منصف لمختلف الأطراف وأساسا للمواطن الذي يقف عاجزا أحيانا أمام أبسط الأمراض بسبب أسعار الأدوية الباهظة.