50م.د. لدعم الأدوية المزمنة والخصوصية... وأدوية الرفاهة غير معنية مركزية الشراءات خيار ينبغي المحافظة عليه للسيطرة على أسعار الأدوية المورّدة تونس الصباح: فيما يتحدث المواطن عن شطحات أسعار الأدوية وتصاعد كلفة الوصفة الطبية لم تعد ميزانيته المرهقة أصلا قادرة على تحملها.. تتحدث الاوساط الادارية المشرفة على القطاع الدوائي عن جهود مضنية للسيطرة على كلفة الدواء ونفقاته وتطوير الاعتمادات الموجهة لدعم اسعار الدواء ومزيد العمل على تأطيرها بالتوازي مع تكثيف الجهود لترشيد الوصفة الطبية.. فهل يُلام الدواء والعيب في التهاب قيمة الوصفة، أم يتعلق الأمر فعلا بحركة اسعار الدواء التي أضحت تساير غيرها من المواد الاستهلاكية في وتيرة الارتفاع والغلاء.. محولة الدواء الى داء تنخر آلامه الميزانية العائلية؟ لاستيضاح الأمر والوقوف على واقع السياسة الدوائية وتحديدا سياسة الاسعار والعوامل المؤثرة في توجيهها.. وخصوصية الوضع الدوائي على صعيد مركزية الشراءات التي تنتهجها بلادنا ولرصد التصورات والتوجهات المطروحة لمزيد السيطرة على كلفة الدواء المتنامية جمعنا لقاء بمدير عام ادارة الصيدلة والدواء بوزارة الصحة العمومية السيد كمال ايدير.. تخلله تدخل ر.م.ع. صندوق التأمين على المرض السيد الناصر الغربي الذي أثرى الحوار عن بعد ببيانات وأرقام للاستدلال بحجم المجهود الضخم المبذول لتكريس البعد التضامني والاجتماعي في السياسة الصحية على مستوى التكفل بالمصاريف. ارتفاع الأسعار * إن تطور القطاع الدوائي تصنيعا وتزويدا وتنظيما وتشريعا واقع لا نقاش فيه.. لكن للأسف واكب هذا التطور تطور آخر بغيض عند المستهلك يتعلق بالاسعار وغلائها.. هل من توضيح؟ تجدر الاشارة الى أن السياسة الدوائية في تونس لها تاريخ عريق وتعتمد عملية التزويد على التوريد ولكن ايضا التصنيع المحلي الذي أصبح يغطي حاجيات متزايدة بفضل نمو شبكة وحدات التصنيع.. كما تطورت البنية التشريعية والنصوص الترتيبية المنظمة لهذا النشاط.. وبالنسبة للأسعار تعتمد السياسة المنتهجة في هذا الباب عند التوريد على خصوصية أثبتت نجاعتها تتمثل في مركزية الشراءات التي تقوم بها الصيدلية المركزية عبر طلبات العروض تمنح قدرة تفاوضية للمتعامل التونسي تخول له الحصول على أفضل الأسعار مع المحافظة على أسعار شرائها على مدى ثلاث سنوات وهو ما يجعل أسعار صفقات الأدوية المتحصل عليها أرخص على مستوى الأثمان المعتمدة ببلد التصنيع مما ييسر ترويجها بأسعار مضغوط عليها ودون المستوى الذي تباع به في بلدان أخرى، وهذا بشهادة تقارير ودراسات أعدتها المنظمة العالمية للصحة التي أنجزت دراسة حول السيطرة على كلفة الأدوية الموردة في تونس وأثبتت بعملية مقارنة بين الاسعار المعتمدة في تونس وفرنسا لنفس القائمة الدوائية الأكثر استعمالا أن السعر التونسي الأقل ارتفاعا.. * هذا صحيح، اما اذا اعتبرنا ان الدراسة أنجزت في 2003 لكن اليوم الوضع تغير خاصة على مستوى العملة وارتفاع قيمة الأورو؟.. الحرص على التحكم في الكلفة وتأطير الاسعار متواصل وسيتواصل لأننا نراهن على صحة المواطن.. والدليل أن اسعار الدواء مازالت الى اليوم أقل مستوى من البلد المورد منه في ظل مراجعة النصوص الترتيبية الخاصة بتسجيل الأدوية والتي تؤكد الى جانب النجاعة والجودة مراعاة العنصر الاقتصادي ولا يقع تسجيل الدواء الا اذا يضمن تحسين المردودية والنجاعة الاقتصادية مقارنة بالأدوية المماثلة المروجة بالسوق التونسية.. (قدم لنا بعض الأمثلة المقارنة بين سعر الوحدة الدوائية لنفس الدواء مروج في تونس وفرنسا والذي يمكن أن يبلغ فيه الفارق نسبة 70% في قيمة الحبة الواحدة لصالح الدواء المروج عندنا...) وثيقة مرجعية * إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يلمس المواطن ذلك، بل الانطباع السائد هو تواصل تطور الاسعار وارتفاعها؟ إن المطلوب هو التحكم في الوصفة الطبية والجهود منصبة على هذا الجانب وقد بذلت وزارة الصحة جهدا كبيرا وقامت باعداد دليل في صيغة مرجع عمل للصيادلة والأطباء يجمع كل المعطيات حول الأدوية المروجة في تونس وخصائصها العلاجية والاقتصادية كذلك بالتنصيص على الاسعار الموجهة للعموم المتداولة بالصيدليات.. والغاية من ذلك ترشيد الوصفة الطبية باعتبار اختلاف اسعار الأدوية المندرجة صلب العائلة الدوائية الواحدة باعتماد الاسم العلمي.. ويتم تحيين هذه الوثيقة المرجعية بانتظام.. وبامكان الطبيب التحكم في وصفته عبر اختيار الادوية الأقل كلفة مع ضمان مردوديتها.. * ومع ذلك تبقى أسعار الادوية متحركة ومتطورة ولا يمكن أن تقنعني سي كمال بأنها مستقرة..؟ صحيح هي متحركة لكن بنسبة معينة في ظل انزلاق قيمة الدينار مقارنة بالأورو.. وللسيطرة على الاسعار تتكفل الصيدلية المركزية بتخصيص اعتمادات دعم ما انفكت تتصاعد من سنة الى اخرى حتى لا تتحرك الاسعار كثيرا بالنسبة للعموم ويبلغ هذا الدعم حاليا 50 مليون دينار موجه كليا للأدوية الحيوية والأساسية للتحكم في أثمانها.. وكان لا بد من اعتماد الأولوية في توجيه هذا الدعم الى الأصناف المذكورة قبل أدوية الرفاهة من قبيل مراهم التمسيد او محلول الغرغرة للفم وغيرها.. وربما هذا ما يفسر ارتفاع اسعار هذا الصنف.. تحرك الأسعار * ما يلاحظ أن التحرك يشمل أيضا الأدوية المصنعة محليا.. وليس فقط الموردة التي تخضع لتقلبات بورصة العملة الصعبة؟ عديد الضوابط تقنن السياسة السعرية في هذا المستوى، وسعر الدواء المحلي لا يتحرك قبل مضي خمس سنوات على تسويقه في حدود 5% وهو تحرك لا بد منه لمجابهة ارتفاع سعر المواد الأولية في العالم التي تحتاجها وحدات التصنيع ورغم هذا الارتفاع المسجل في السوق العالمية حصل أن طلبنا من المصنعين أحيانا المحافظة على ذات الاسعار مع التأكيد على احترام الجميع لأجل الخمس سنوات ونسبة المراجعة ب5%.. على ذكر الدعم الموجه للأدوية المزمنة والأساسية أشير كذلك الى ان اعتمادات رئاسية اضافية ألحقت بميزانية هذه الأدوية لترتفع الى 11 مليون دينار.. * الأدوية الجديدة مثل الباكورات في المواد الفلاحية لا يقدر على استهلاكها المواطن لشطط اسعارها مع فارق وحيد أن شطط هذه الأدوية مستمر ومتواصل رغم الحاجة لها..؟ هذه الأدوية ماتزال عادة تحت البراءة وتهم بعض الأمراض وأسعارها مشطة جدا، وذلك بكافة الانظمة الصحية في العالم.. وفي تونس لئن نجحنا في السيطرة على الأدوية الجنيسة بصفة جلية نتطلع الى قطع خطوات أولى ناجعة في هذا المجال بعد احداث القطب التكنولوجي سيدي ثابت للبيوتكنلوجيا بما يتيح للكفاءات والخبرات التونسية ولوج هذا البحث العلمي والتمكن مستقبلا من السيطرة على التقنيات الحديثة والمتطورة لتصنيع الأدوية، كما هو الحال مع النجاحات التي تحققت في تصنيع الأمصال والتلاقيح وغيرها من الأدوية.. الأدوية الجنيسة * بالنسبة للأدوية الجنيسة التي أضحت طاغية على سوق الدواء.. يبدو أنه رغم الجهوب المبذولة في التعريف بمزاياها ونجاعتها العلاجية مازالت الأحكام التي يحملها عنها المواطن سائدة ومسيطرة وهي عادة ما تخالف هذا التوجه؟.. (مقاطعا بلطف): إني استغرب تواصل هذه الانطباعات والافكار المسبقة المروجة في بعض الاوساط والتشكيك في قيمة الدواء رغم التقاليد الطويلة والقديمة التي اعتمدناها في التعاطي مع الدواء الجنيس استيرادا وتصنيعا وقد بلغنا اشواطا متقدمة في السيطرة على تقنيات تصنيعه وجودته وسعره حيث لا مجال للتهاون والتسامح بصحة المواطن والدواء التونسي يحظى بثقة عالية في عديد البلدان، ناهيك أن 30 بلدا مرجعهم تونس في مجال الدواء وعديد الهياكل الادارية والرقابية والأجهزة المختصة في الشأن الدوائي تعتمدها المنظمة العالمية للصحة مراكز متعاونة معها وهذا لا يمكن الا أن يعزز رصيد المصداقية التي يحظى بها التقدم الباهر للسياسة الدوائية في بلادنا.. وبالتالي أعيد وأكرر انه لا مجال للتشكيك في جودة الدواء الجنيس وخضوعه لمراقبة صارمة والتحري التام من احترام شروط ومواصفات التصنيع العالمية.. كما أنه على مستوى الأسعار يتميز بكونه أقل ب30% من سعر الدواء الأصلي ما يجعله في متناول التونسي.. ما استغربه بعد نصف قرن من استعمال هذا الدواء والمواصلة في هذا النهج استمرار طرح تعاليق سلبية حوله... علما أن الدواء الجنيس رائج بكثرة في الولاياتالمتحدةالامريكية وألمانيا وغيرها من البلدان المتقدمة وتتجاوز نسبة تصنيعه في هذه الدول 50% * التصنيع لايعني بالضرورة للاستهلاك الداخلي، بل قد يكون موجها للتصدير؟ هذا صحيح، هو للترويج الداخلي والخارجي حتى أن هناك شركات عالمية عملاقة أصبحت تصنع الدواء الجنيس للتخفيض من كلفة الأدوية الأصلية.. مركزية الشراءات * في اعتقادنا.. هل يمكن أن يؤدي كسر احتكارية الصيدلية المركزية لعملية الشراءات الى انفراج أفضل في اسعار الأدوية؟ التجارب المعتمدة في بعض الدول والتي تخلت عن نظام مركزية الشراءات أثبتت فشلها في السيطرة على اسعار الأدوية.. وفي تونس يمثل هذا التوجه أو التقليد الخيار الأفضل والأنسب للسيطرة على الاسعار بل ودعمها.. اذ من سيجازف ويتحمل اعتمادات الدعم المخصصة للأدوية الأساسية والمزمنة للسيطرة على أسعارها.. لا أعتقد أن هناك قطاعا خاصا سيقبل بذلك.. لذا لا بد من المحافظة على هذا التوجه.. الضغط على الوصفة الطبية * سبق أن أشرت الى أن الاستهلاك الرشيد للأدوية شرط أساسي للتحكم في نفقاتها فهل سايرت الوصفة الطبية في رأيك الدعوات المتكررة الصادرة عن سلطة الاشراف لترشيدها؟ المفارقة اليوم أنه بامكان علاج نزلة برد بوصفة تكلف المريض 70 دينارا، كما بالامكان علاجه بوصفة تقل عن هذا السعر بكثير.. الاشكال يكمن في نظري في عدم اعتماد مراجع علمية من قبل مسدي الخدمات الطبية وعندها تصبح الوصفة مركزة على الاسماء العلمية للدواء وليس التجارية عبر مراجع علمية تكون على ذمة الطبيب والصيدلي و«الكنام».. ستنجح في التحكم والضغط على الوصفة.. والمطلوب الآن العمل على ترسيخ هذا التوجه ودعمه للتحكم في كلفة العلاج ونفقاته.. ولا خيار لنا سوى ذلك.. مع السعي الى البحث عن آليات موازية تساعد على الضغط على الاستهلاك والاسعار ومنها اعداد دراسة حول موضوع التزود بالأدوية السائبة بالمستشفيات العمومية وتم اختيار مستشفى الحبيب ثامر بالعاصمة مركزا نموذجيا لهذه التجربة المعتمدة بصفة آلية في عديد البلدان ومنها كندا التي يجري الاستئناس بتجربتها في هذا المجال للوقوف على نجاعة بيع الدواء «صبّة» حسب حاجة المريض.