بدأت بعض الأصوات تقترح تنظيم حوار اقتصادي في إطار وثيقة قرطاج فيما يرى البعض الآخر أن الأفضل أن يكون الحوار اقتصاديا واجتماعيا، ومهما اختلفت المسميات وأطر الحوار تظل الأزمة التي تمر بها البلاد مستعصية على النخبة السياسية الحالية التي إما تعوزها الأفكار أو تفتقر إلى الجدية في التعامل مع ملفات الأزمة. ولعل السؤال المنافي للمنطق هو الذي يكون على شاكلة "كيف نخرج من الأزمة؟"، فلو كانت الوسائل في المتناول والامكانيات متاحة لما ضاعت سبع سنوات في الوعود والحلول الترقيعية وفي أدبيات عن استراتيجيات اتضح كم هي في قطيعة مع الواقع بحكم الافتقار إلى متطلبات وأسس ذات أبعاد مختلفة يمكن من خلالها التعويل على نجاح أي مشروع إصلاحي أو تجسيد استراتيجية ما. إن استمرار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يعني فشلا جماعيا وبات واضحا أن الحلول تصبح نادرة بالنظر إلى الوضع الحالي وتعقيداته ومادامت هياكل الدولة يعوزها التنسيق والانسجام وهو ما ظهر جليا بعد إدراج تونس في قائمتين سوداويتين من قبل البرلمان الأوروبي بما يمكنه طمس المنجز التونسي المتمثل في التجربة الديمقراطية. وقياسا بالحوار الوطني الذي أثمر دستورا جديدا وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية يجوز التعويل على حوار اقتصادي أو اقتصادي-اجتماعي لكن شرط توفر إرادة جدية شبيهة بتلك التي أدت إلى نجاح الحوار الوطني، إذ لا فائدة من حوار يكون غاية في حد ذاته ولا معنى لحوار لا تشترك فيه جميع الأطراف الفاعلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وتحيلنا هذه المسألة مباشرة إلى إطار الحوار وتحديدا وثيقة قرطاج حيث أن بعض الأحزاب لم توقع عليها فيما فضل البعض الآخر الانسحاب منها بقطع النظر عن الأسباب والمبررات لكن المعضلة تكمن في كيفية تجميع كل الجهات الفاعلة في إطار لم يعد يحظى بالإجماع وبالتالي لا بد من البحث عن إطار أشمل ويضمن مشاركة الجميع،أما إذا بقيت أحزاب المعارضة خارج الحوار ستبقى أية توجهات أو استراتيجيات عرضة للنقد والتجريح. إننا في حاجة إلى بدائل لا تطرح سؤال "كيف نخرج من الأزمة؟" بل تجسد فعليا سبل "الإنقاذ" بما يتماشى مع واقع البلاد وإمكانياتها وتأخذ بعين الاعتبار جملة التحديات الجاثمة على مستقبل التونسيين خصوصا أن حياتهم اليومية لم تعد تخلو من ظواهر سلبية مثل السرقة والعنف وانتشار المخدرات وارتفاع عدد جرائم القتل.