أيهما أفضل اليوم للدول والشعوب التي تعاني الازمات والصراعات الدموية، أن تعيش على وقع الامل وانتظار ما تجود به عليها دول العالم ومؤسساته لاعادة اعمار وبناء ما تهدم بعد انتهاء الصراعات، أو التعجيل بإطفاء اللهيب والانصراف الى تنظيم الصفوف وتطهير الاوطان وتعزيز ثقة الشعوب بما يمكن أن يخفف معاناة الاجيال القادمة وينقذها من الضياع؟ من مؤتمر اعادة اعمار العراق الاول والثاني، الى مؤتمر دعم اللاجئين السوريين الاول والثاني والثالث، الى مؤتمر اعادة اعمار ما تم تحريره في اليمن، الى اعادة اعمار افغانستان وإعادة التنمية في لبنان والتخطيط لاعادة اعمار ليبيا وسوريا، تتعدد المواعيد وتتدافع الوعود ويتنافس المشاركون ثم ينتفضون كل الى شأنه فيما تستمر عملية استنزاف الشعوب والجهود... لسنا بصدد التقليل من أهمية التضامن الدولي في حالات الكوارث الطبيعية او في حالات المآسي والحروب.. ولاشك أن عالما لا تضامن فيه هو عالم لاإنساني، وأن عالما بلا عدالة اجتماعية هو عالم يتجه للانهيار وسقوط القيم والاخلاق وأسباب التعايش السلمي فيه.. ولكن الحقيقة أنه عندما تتحول مثل هذه المؤتمرات الى مزاد علني للمتاجرة والمقايضة بمآسي الشعوب فإنه لا يمكن التعويل على أن تذهب ثمارها للشعوب المنكوبة... مخاوف كثيرة معلنة رافقت أشغال انعقاد مؤتمر إعادة اعمار العراق الذي احتضنته الكويت من احتمالات ضياع وتبخر المساعدات الدولية المخصصة لاعادة بناء ما تهدم، وهي في الحقيقة مخاوف مشروعة وليست نابعة من فراغ وتعكس حجم ما بلغه الفساد في هذا البلد الذي لا تعوزه الامكانيات والثروات المالية والنفطية بقدر ما يعوزه صدق الارادة ونظافة الايدي ووضوح الرؤية، وهي الشروط المشتركة التي تكاد تفتقر لها أغلب الدول الغارقة في الفساد... العراق تطلع الى الفوز بمائة مليار لاعادة إعمار ما تهدم جراء الحرب مع تنظيم "داعش" الارهابي وانتهى بوعود آنية قدرت ب33 مليار دولار تبقى الكويت ومعها بقية دول الخليج ابرز المساهمين فيها .. اما واشنطن التي تتحمل جزءا أساسيا من المسؤولية في دمار العراق وانهياره فقد أعلنت أنها لن تساهم في المؤتمر وسيقتصر دور وفدها على دعم الاستثمارات في القطاع الخاص... مؤتمر اعادة اعمار العراق ليس الاول من نوعه الذي تحتضنه الكويت والتي سبق لها احتضان ثلاثة مؤتمرات لدعم العمليات الانسانية وأزمة اللاجئين السوريين. ورغم الآمال العريضةوالنتائج التي سجلتها تلك المؤتمرات فإن نصيب اللاجئين السوريين كان هزيلا إن لم يكن وهميا. وفي غياب متابعة دقيقة وتوزيع مدروس لتلك المساعدات فإنها ستذهب في جيوب المنظمات الكثيرة التي جعلت من القضايا الانسانية تجارة مربحة... بل لعل في المآسي المتكررة للاجئين السوريين على الحدود وفي المخيمات بدول الجوار وما سجل من معاناة وتجمد وموت للاطفال في العراء ما يمكن أن يفسر المخاوف كلما تعلق الامر بمؤتمرات اعادة الاعمار في الدول الخارجة لتوها من أزمات وصراعات وحروب أو كذلك تلك التي لا تزال تتخبط في حلقة العنف المستمر... وهو ما ينطبق على اليمن، هذا البلد الذي تحول الى دمار والذي قدرت احتياجاته لاعادة اعمار ما تهدم بمائة مليار دولار.. أكثر من 80 بالمائة من سكانه اليوم تحت خط الفقر وأكثر من مليون ونصف من أطفاله عاجزون عن الالتحاق بالمدارس، والخدمات شبه معدومة والكوليرا تهدد الجميع ومن لم يمت في عمليات القصف الجوي مات إما بالطاعون أو جوعا وعطشا... الاكيد بالنظر الى مختلف التجارب السابقة أن لا شيء اليوم يوازي في أهميته وقف الصراعات والحروب وإنهاء ما يحدث من تدمير وفوضى في مختلف دول الشرق الاوسط... وهذا هو الاستثمارالاول الذي يجب التعويل والرهان عليه واعتباره الاولوية المطلقة قبل اعلان الحرب على داء الفساد وشبكاته المتشعبة التي تنخر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وتهدد سيادة الامم واستقرار شعوبها التي تحولت الى مجرد أرقام لاجئة في أوطانها..