دخل منذ أيام القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 ، المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة فعليا حيز التنفيذ. قانون أتى بعد سنوات بل عقود من النضال النسوي للقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدّ المرأة، وهذا القانون الذي تمت المصادقة عليه في مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة دون احتفاظ أو اعتراض من أي نائب في ما عدّ سابقة في البرلمان لم تشهدها قوانين أخرى على أهميتها، اعتبرته بعض جمعيات حقوقية مدافعة عن حقوق المرأة أّنه بمثابة الثورة الثانية في مجال تعزيز حماية المرأة بعد مجلّة الأحوال الشخصية. وينصّ هذا القانون في فصله الأوّل على ضرورة وضع التدابير للقضاء على كل أشكال العنف ضدّ المرأة القائم على التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية كما ينصّ الفصل على ضرورة تتبّع مرتكبي العنف ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهّد. وهذا القانون يتصدّى ويعالج كل أشكال العنف المسلّطة على النساء بمختلف أنواعه المادي والجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي والسياسي، هذا العنف بمختلف أنواعه تحوّل إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة رغم الترسانة التشريعية منذ الستينات والتي حوّلت المرأة التونسية إلى نموذج يُحتذى به في المنطقة العربية، ظاهرة ترجمتها إحصائيات «مفزعة» منها المسح الوطني لديوان الأسرة والعمران البشري حول تفشي ظاهرة العنف المسلط على النساء وشمل أكثر من أربعة آلاف عينة لنساء تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة موزعة على كامل تراب البلاد وقد خلص هذا المسح إلى الكشف بأن امرأتين من بين ثلاث نساء يتعرّضن للعنف وأن نصف التونسيات قد تعرّضن على الأقل مرّة في حياتهن للعنف. وإذا كانت ممارسة العنف بأشكاله أو الصمت على هذا العنف يرتبط في أحيان كثيرة بالثقافة الاجتماعية، الاّ أنه يعوّل على هذا القانون ليحدّ من هذه الظاهرة السلبية. إجراءات ردعية يتضمّن القانون الجديد نقاط هامّة من شأنها أن تعزّز حماية حقوق المرأة وتحميها من الانتهاكات وأبرزها إحداث آلية تمكن قاضي الأسرة من إصدار إذن بالحماية استعجالي في حالة وقوع عنف مع اتخاذ جملة من الإجراءات لانتشال الضحية من دائرة العنف من خلال بعث فضاءات للإنصات وللإرشاد والإيواء لفائدة ضحايا العنف. وفي هذا السياق تمت المصادقة على القانون وفتح ستة مراكز استقبال وإيواء للنساء ضحايا العنف في 6 ولايات وهي جندوبة وتونس والقيروان وصفاقس وقفصة ومدنين. كما أحدثت وزارة المرأة خطا أخضر مجانيا 1899 مخصصا لاستقبال وتوجيه المكالمات الخاصة بالعنف المسلط على النساء. ومن أبرز الإجراءات التي أتى بها هذا القانون، إسقاط الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية الذي كان يسمح لمرتكب فعل الاغتصاب من الزواج بضحيته القاصر مقابل إسقاط كل التتبعات بشأنه، حيث تم التنصيص في القانون المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة على عدم إيقاف التتبعات ضدّ المعتدي حتى في حال تنازل الضحية عن حقها. وكذلك من العقوبات المشددة التي أقرّها القانون، أنّه «يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا دون قصد القتل والذي نتج عنه الموت».. وهو ما من شأنه أن يضع حدّا للاعتداءات العنيفة التي تتعرّض لها نساء ويصل الأمر حدّ التشويه أو إلحاق عاهات مستديمة أو الاعتداء بالحرق أو القتل أو التنكيل، ويكرّس هذا الفصل بصفة واضحة مباشرة مبدأ عدم الإفلات من العقاب الذي تمتّع به المعتدين طوال عقود . إحداث وحدات مختصّة من الإجراءات الجديدة التي أوردها القانون هو تخصيص وحدات أمنية لحماية الضحايا وتكليف فريق مختص يضم عناصر نسائية صلب كل وحدة تدخل للتعاطي مع هذه القضايا. وتطبيقا لهذا الإجراء الوارد صلب القانون المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة لحمايتها من كل أشكال الاعتداء والإساءة والاهانة المادّية والمعنوية، أعلنت وزارة الداخلية موفى الأسبوع المنقضي عن إحداث وحدتين مختصّتين على المستوى المركزي تحت اسم «الفرقة المركزية المختصة بالبحث في جرائم العنف ضدّ المرأة والطّفل» واحدة تابعة لإدارة الشرطة العدلية بالإدارة العامة للأمن الوطني والثانية تابعة لإدارة الشؤون العدلية بالإدارة العامة للحرس الوطني وفرق جهوية في كلّ منطقة أمن وحرس وطنيين. وأكّدت الوزارة أنّ هذه الوحدات الأمنية تضمّ من بينها نساء أمنيات وتختصّ أساسا بالبحث في جرائم العنف بمختلف أشكاله والمسلّط على النساء وقد انطلقت هذه الفرق المختصّة في مباشرة عملها فعليا منذ يوم 16 فيفري الجاري.