مازال مشروع قانون الفنان والمهن الفنية في تونس»مشغل» الهياكل القطاعية والنقابية في الحقل الثقافي إضافة إلى بعض نشطاء المجتمع والمنتصرين للإبداع الفني والثقافي. إذ لم يتم الحسم بعد في هذا القانون، وذلك رغم الهبة القوية لأهل الثقافة الرافضين للنسخة المعروضة على مجلس نواب الشعب منذ أواخر شهر ديسمبر الماضي وبداية العام الجاري تاريخ عرض هذا القانون على مجلس النواب للنظر فيه وتمريره للمصادقة. خاصة أن هؤلاء لم يكتفوا بالنقد والتنديد والرفض لما جاء فيه من فصول زجرية تصل إلى حد عقوبة السجن وأخرى تهدد حرية الإبداع وتصعّب الطريق على المبدعين والموهوبين والحالمين بالتخصص في كل ما هو فني ثقافي، بل ذهبت أغلب التحركات نحو الإصلاح عبر تقديم مقترحات وتنقيحات في مشروع القانون المقترح سواء على مستوى قطاعي أو من خلال لقاءات مفتوحة لأهل الثقافة المعنيين بهذا القانون على غرار ما انتظم يوم 31 جانفي الماضي بفضاء «التياترو» أو اللقاء الثاني الهام والخاص الذي دعت له جمعية تونس للسياسات الثقافية بقاعة «الريو» بالعاصمة يوم 3 فيفري الجاري موازاة مع اللقاءات التي أجراه عدد من المثقفين والمبدعين مع أعضاء لجنة التربية والشؤون الثقافية والبحث العلمي بمجلس النواب، المعنية بالنظر في هذا القانون عبر أن يأخذ منحاه التنفيذي الإجرائي. ومتابعة لتطورات هذا القانون تبين أن ستة نقابات فنية وثقافية فضلا عن هياكل ثقافية أخرى دخلت منذ مدة بمقر وزارة الشؤون الثقافية مع سلطة الإشراف في سلسلة من اللقاءات محورها قانون الفنان والمهن الفنية من أجل التوصل للاتفاق حول نسخة نهائية لهذا القانون ليتم عرضها على مجلس النواب في أقرب وقت ممكن. لكن يبدو أن تباين الآراء وتضارب مصالح بعض الفاعلين في الحقل الثقافي من العوامل التي كانت وراء تعطيل الحسم في المسألة على النحو الذي يرضاه وتهدف له قاعدة موسعة من أهل الثقافة، في المقابل تمسّك البعض الآخر بضرورة الإبقاء على بعض الفصول موضع الجدل والرفض او توجيه التنقيحات والمقترحات لما يخدم مصالحها «الضيقة» على غرار ما يتعلق بالبطاقة المهنية أو بطاقة الاحتراف. لذلك تبدو «المعركة» من أجل جعل هذا القانون دستورا ينظم الحركة الفنية ويدفع الحركة الإبداعية للتطور ويجعل الحقل الثقافي مجال تنمية وعمل وليس العكس. باعتبار أن شكل القانون المقترح يكرس «مركزية الثقافية» ويغلق الطريق أمام خريج الجامعات وأصحاب الشهائد المختصة في المجالات الفنية والثقافية فضلا عما يتضمنه من تضييقات على الحريات بما يمهد لتصحر ثقافي. وهو قانون يتضارب مع الأهداف والدوافع التي تعلقت بها همة أهل الثقافة في سنوات ما بعد الثورة وضمنوه في مشاريع القوانين التي تم تقديمها في الغرض منذ سنة 2015.