بالنظر إلى جملة المواضيع والمسائل التي تطرق إليها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في الحوار التلفزيوني بالقناة الوطنية الأولي، يجوز القول أن المعطى الجديد الذي يبدو أنه حرص على إبلاغه يتمثل في رد فعله بخصوص مطالبة اتحاد الشغل بإجراء تحوير على تركيبة الحكومة، فيما لم تخرج إجاباته على بقية الأسئلة عن تجديد مواقف سابقة مع بعض الإضافات. ولقد كان الشاهد قطعيا في نفيه وجود أية نية لتحوير حكومته «في الوقت الحالي» وتأكيده الجانب الزمني يحيل مباشرة إلى مطالبة نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل بهذا التحوير قبل بضعة أيام بما يعني أنه سيقطع مع عادة «الاستجابة» للأصوات «المطالبة» بإجراء تحويرات على الحكومة وهو ما سجل في السابق سواء في رئاسة الحبيب الصيد أو رئاسة الشاهد نفسه. ولعل في توضيح رئيس الحكومة بتأكيده في هذا السياق على «مصلحة الوحدة الوطنية» ثم على أن «نجاح البلاد شرطه الاستقرار السياسي وديمومته» ما يتطلب التوقف عنده وذلك في علاقة ب»المصطلحات» حيث لم يقل الشاهد مصلحة تونس أو البلاد بل انتقى عباراته بما أنتج «مصلحة الوحدة الوطنية» لكنه لم يغفل «البلاد» حين اشترط نجاحها ب»الاستقرار السياسي وديمومته». وقد يبدو الحديث عن الاستقرار السياسي والتأكيد عليه عاديا مهما بقطع النظر عن الجهة الصادر عنها مثل هذا التأكيد لكن عندما يضيف رئيس الحكومة لهذا الاستقرار ونجاحه «ديمومة» يكون الشاهد حينها قد تجاوز في رده اتحاد الشغل منتقلا إلى مسألة أدق ومتوجها إلى «أصوات» يعنيها ما فتئت «تتكهن» برحيله حيث تصبح في الديمومة «ثنائية» الوحدة الوطنية والاستمرارية ببعدهما السياسي والذاتي. ولأنه يتحدث بصفته رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية توجه برسالة أشمل وعبر التساؤل عما إذا كان لدى المنادين ب»التغيير» برنامج بديل وأهداف محددة مثل التي لدى حكومته، تساؤل فيه إقرار بانعدام البدائل وبالتالي لا مجال ل»التغيير» الذي جاء في المطلق ولم ينحصر في تغيير تركيبة الحكومة وبعيدا عن مقولة «الأيادي المرتعشة».. رسالة قد تكون في علاقة بالمستقبل وتحديدا بمستقبله السياسي. وحاول الشاهد قدر الإمكان تجنب الخوض في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وتحديدا المؤشرات ذات العلاقة بالضوء الأحمر مفضلا الحديث عن «لون أخضر» تسير نحوه مؤشرات إيجابية تشهدها البلاد في التصدير والنسيج والسياحة والصناعات المعملية،وفق قوله، مؤكدا في الأثناء على انخفاض نسبة البطالة منذ توليه رئاسة الحكومة من 31.6 في المائة إلى 29.6 في المائة. أمر عادي أن يسعى رئيس الحكومة لإقناع التونسيين بنجاحات لحكومته وبالتالي نجاحته شخصيا حيث يتماهى هذا مع ما نشر من استطلاعات للرأي تضعه في صدارة الشخصيات القادرة على قيادة البلاد. هذه النجاحات أيضا يراها الشاهد في الحرب على الفساد لكنه آثر أن يقول ذلك بطريقة غير مألوفة ومباشرة بقوله «إن جزءا من انتقاد الحكومة ومهاجمتها هو بسبب الحرب على الفساد التي تخوضها» بما يعني ضمنيا أمرين: نجاح ضرب الفساد الكبير ومواصلة الحرب باستهداف الفساد الصغير. وعندما تحدث الشاهد عن القائمات السوداء ارتأى أن يصدح بموقف ربما كان التونسيون يأملون أن يكون أعلنه شخصيا أثناء زوبعة القائمة السوداء الأولى ذات العلاقة بتصنيف تونس ضمن الملاذات الضريبية، موقف متأخر نسبيا لكنه «خلّص» حكومته من المسؤولية وتحميلها للجنة التحاليل المالية والبنك المركزي بسبب «مغالطة الحكومة» في بعض جوانب ملف التصنيف وهو ما يعني إجماليا تحميل محافظ البنك المركزي السباق الشاذلي العياري المسؤولية بقول الشاهد أن إعفاءه كان «في محله». وفي علاقة بتعطل إنتاج الفسفاط لم يقدم رئيس الحكومة أي تعهد بل إنه تحدث عن مشكلة الحوض المنجمي في إطار «حوار» و»حل إشكاليات» وارتأى أن يكون ذلك في إطار أوسع أي بمشاركة كل الفاعلين والمتدخلين بما يعني أن الحكومة ليست لديها حلول جاهزة لهذه المسألة وربما حتى لا يعاد سيناريو «الكامور» وما شهده من اتفاقات ووعود نجد اليوم صدى لها في وقفة احتجاجية بتطاوين مطالبة بتنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه. وتبقى نقطة أخيرة في حوار رئيس الحكومة وهي المتعلقة بمشروع القانون الجديد حول الاتصال السمعي البصري إذ أن نفي إمكانية سحبه في الوقت الذي تتعدد الأصوات الرافضة لفحوى المشروع قد يعني اختبار قوة بين الحكومة والأطراف النقابية الرافضة له رغم كونه قابلا للنقاش في مجلس نواب الشعب وفق قول الشاهد وقد يفتح المشروع جبهة أخرى أمام حكومته ويفتح مجالا للجدل بشأن قطاع جد حساس ألا وهو الإعلام .