ألقى الحوار الخاص للوزير الاول الفرنسي السابق جون بيار رافاران بظلاله على المشهد السياسي في بلادنا خاصة وانه يأتي قبل يوم من الإعلان النهائي عن القائمات المترشحة للانتخابات البلدية وأسابيع قليلة قبل بداية الحملات الانتخابية والتصويت على انتخاب ممثلي المجالس البلدية والجهوية. موقف رافاران والذي جاء في حوار له مع "RTL" حيث وصف الوضع الحالي في تونس بالخطير وان سيلا جارفا قد يعصف بالبلاد في حال وصل الاسلاميون الى الحكم مجددا». واضاف الوزير الاول الفرنسي السابق «أن تونس امام امتحان ديمقراطي» معبرا عن تخوفاته «من ان تغزو حركة النهضة السلطة مجددا عبر صناديق الاقتراع»، داعيا في ذات السياق الى مساعدة تونس والوقوف بجانبها»، واصفا إياها "انها مازالت تشكل حدود فرنسا". ولا يبدو موقف الوزير الاول الفرنسي الأسبق بمعزل عن تحولات المشهد السياسي في تونس مع استعداد الجميع للانتخابات البلدية وتصاعد التخوفات الحاصلة من فوز محتمل لحركة النهضة الاسلامية على حساب خصومها وهو ما عجل بعودة خطابات الاستقطاب القائمة على مفهومي الدولة الوطنية الحديثة ومكاسب الجمهورية في مواجهة المد الاسلاموي. ولَم يكن خطاب نداء تونس مثلا هو ذات الخطاب المعلن الآن، فبعد حالة التماهي السياسي مع حركة النهضة في إطار «دولة التوافق» وحكومة «الوحدة الوطنية» اللتين اُسستا لاستقرار في العلاقة بين راسي الحكم وأسهمتا في ضمان تواصل النداء الذي لم يكن ليستمر لولا دعم حركة النهضة عادت قيادات من النداء الى مربع 2014 حيث انحسر التنافس بين الحزبين على ارضية النمط والهوية التونسية. وقد اعتبر متابعون ان ما يعلنه النداء هو وعاء لحملة انتخابية، هكذا موقف يجد ما يؤكده سياسيا، فبعد ان كاد يندثر حافظت حركة النهضة على ما تبقى من النداء بعد ان خسر 1/3 نوابه المستقيلين لم تقفز الحركة على الحكم بل انها طمأنت النداء على استمراره في الحكم دون المساس بالأصل بعد ان اكدت النهضة انها ستحافظ على مخرجات الانتخابات التشريعية ونتائجها ليضمن النداء بقاءه على راس الحكومة هذا دون الحديث عن رفض النهضة المشاركة في الانتخابات الجزئية بالمانيا لتترك الطريق مفتوحا لمرشح النداء الذي فشل في الالتحاق بباردو ليترك مكانه لشخصية مستقلة. وفِي واقع الامر فان خطاب عودة الإسلاميين للحكم لم تكن محور نقاش سياسي داخلي، حيث دخلت فرنسا على الخط بعد ان تناول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الموضوع خلال زيارته الاخيرة لبلادنا حين اعتبر في كلمة له امام البرلمان «أن الاسلام والديمقراطية لا يشكلان تناقضا بقدر ما يمكن لهما ان يتعايشا وان تونس قدمت المثال على ذلك». موقف ماكرون لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى وصف القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بشأن حق المرأة في الزواج من غير المسلم بالقرار الشجاع الذي لا رجعة فيه في إشارة واضحة الى ضرورة المصادقة على هذا القانون الذي قد يحرج حركة النهضة وينزع عنها «عباءة المدنية»، في حال رفضت التصويت عليه. ولا يمكن الحديث عن الدور السياسي الفرنسي في تونس والباحث عن نفوذه من جديد دون ان نغفل عن تحركات السفير الفرنسي في بلادنا الذي لم يترك زاوية في خريطة الجمهورية التونسية الا وزارها حيث كانت زيارته الاخيرة اول امس الأربعاء الى مقر هيئة الانتخابات اكبر دليل على محاولات التدخل في الشأن العام الوطني وسط صمت غير مبرر من وزارة الخارجية. اهتمام السياسيين الفرنسيين بالشان العام لحقه اهتمام إعلامي فرنسي ايضا وآخره «لوبوان» والتي أصدرت مقال لها في صفحة المتابعات الافريقية تحت عنوان Tunisie :Le bid bang des municipales حيث استعرضت الصحيفة مقالا اعتبرت فيه الانتخابات البلدية «بالحدث المفصلي» وان المجتمع الدولي سيكون مواكبا ومراقبا لانتخابات شهر ماي القادم والتي تدور في ظل مؤشرات حمراء سواء اقتصاديا او اجتماعيا». واعتبرت الصحيفة في مقالها «ان المشهد السياسي لن يحمل تغييرا كبيرا في ظل تنافس حزبين كبيرين وفِي ظل ثنائية النداء والنهضة الذين نجحا لوحدهما في ضمان الترشح في كل البلديات ال350». كما عبرت لوبوان «عن تفاجئها بنجاح كل الاحزاب المشاركة في ضمان التناصف الكامل بين الرجل والمرأة مما يؤكد على وعي التونسيات والتونسيين على إنجاح الانتخابات رغم مساعي بعض الاحزاب لتعطيل الموعد الانتخابي». فهل تحاول فرنسا اعادة توازناتها السياسية في تونس بعد ان فقدتها لفائدة آخرين منذ الثورة؟ وهل تشكل بلادنا مدخلا أساسيا للفرنسيين لمزيد من النفوذ في ليبيا وخاصة مسالة اعادة الإعمار والانتخابات الليبية القادمة؟ وماذا عن الجزائر؟