بات جليّا أن المواجهة بين مختلف الفصائل السياسية ، مرشحة لكي تتسع دائرتها خلال الفترة القادمة،ومن غير المستبعَد أن تطغى هذه المواجهة على مُختلف محاور الصِّراع، التي ستبرُز مع قُرب انطلاق الحملة الانتخابية للبلديات، التي ستنطلق في 6 ماي المقبل. وبدأت بوادر هذه المعركة تتفاعل بشكل صاخب على وقع تزايد تصريحات قيادات حزبية تونسية و أطراف خارجية تضمّنت تحذيرات مُتتالية من أن فوز حركة النهضة ، مخاوف ترجمها بعض الملاحظين الى ما يُعرف "بالنهضة فوبيا" لكون النهضة و حسب تشخيص المختصين الحزب الوحيد الذي يمتلك مقومات و شروط الحزب السياسي الكامل ، بل الحزب الأكثر حظوظا للفوز في الانتخابات القادمة خاصّة و أنه لم يتورط في مشاكل داخلية و خارجية و حافظ على مسافة أمان بينه و بين بقية الاحزاب وهو ما تفتقده باقي الفصائل السياسية. وقال عبد العزيز القطي، القيادي في حركة نداء تونس، في تصريحات نُشرت الخميس، إن "خطر الإسلام السياسي في دولة مدنية مثل تونس مازال قائما، ولا يمكن الاطمئنان نهائيا لحركة النهضة التي تُعتبر ممثل الإسلام السياسي في البلاد".. وحذّر من أنّ فوز حركة النهضة بالانتخابات القادمة، يعني لها "التمكين"، لافتا إلى أنّ الخطر يكمُن في أنّ مثل هذا الفوز سيمكّن النهضة من السيطرة على مفاصل الحكم في الجهات، بما يفتح الطريق أمامها للفوز بالانتخابات التشريعية أو الرئاسية القادمة. وكان بُرهان بسيّس المكلف بالشؤون السياسية في حزب نداء تونس الحاكم حذر من أن عدم انتصار المشروع الوطني الذي قال إنه حزبه يمثله، سيؤدي إلى حكم حركة النهضة، التي قال إنها تمثل الإسلام السياسي، لتونس مدة مئة عام. و بالعودة الى ما ذكرته بعض المصادر الإعلاميّة فإنه من غير المستبعد أن نسمع لاحقا أصواتا أخرى "ندائيّة" تحذّر من نجاح حركة النهضة في الانتخابات البلدية، معتمدة لذلك مبدأ "فزاعة الإسلاميين" الذي سبق أن استخدمه النداء في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة وقد نجح فيه إلى حد كبير. و يرى مراقبون أنه من المستبعد أن تنجح هذه الوصفة مجددا في تونس، وخاصة أن عددا كبيرا من التونسيين يعتقدون أن نداء تونس خان ثقتهم واستخدمهم مطية ليصل إلى السلطة، ومن ثم القاههم جانبا وعاد للتحالف مع من يفترض أنه خصمه السياسي والإيديولوجي. و حزب النداء ليس الطرف الوحيد الذي تتزاحم قياداته لشنّ هجمات متتابعة على حركة النهضة ، إذ اضطلع بعض المسؤولين الفرنسيين بهذه المهمة بعد تصريح رئيس الحكومة الفرنسي السابق جون بيير رافاران الذي طلب من بلاده مساعدة تونس كي لا يكتسح الإسلاميون السلطة بطريقة ديمقراطية ، على حد قوله . تصريح أثار حفيظة التونسيين الذين اعتبرو ذالك "تدخلا سافرا " في الشؤون الداخلية للبلاد وإذا كان من الطبيعي ان تتزاحم الاحزاب التونسية فيما بينها تبعا لحسابات انتخابية، فإنه من غير المبرر أن نشهد تصريحا مثيرا للجدل من رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق جون بيير رافاران، و جون بيير رافاران ليس الشخصية الفرنسية الوحيدة التي اثارت حفيظة الفرنسيين ، اذ سبقه في ذلك السفير الفرنسي أوليفيي بوافر دارفور (والذي يلقّبه البعض بالمقيم العام الفرنسي) نظرا لصولاته و جولاته المريبة ( زيارته لمقرّ الهيئة الانتخابية)و تصريحاته اللامسؤولة ، ما جعل رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي يدخل على الخطّ ليلفت الى ضرورة ان يتقيد سفراء الدول الأجنبية بمهامهم في تونس والا يتدخلوا في الشأن الداخلي للبلاد . و يرى بعض المحللين أن المصالح هي من تحرك خيوط السياسة الفرنسية، فالخطاب السياسي الذي أشاد سنوات عدة بالسياسة "الحكيمة" للرئيس السابق زين العابدين بن علي وقدم له دعما كبيرا، انقلب فجأة بعد الثورة ليشيد بالديمقراطية التونسية وينتقد النظام "الديكتاتوري" السابق مسايرا المزاج العالمي المؤيد لثورة الياسمين، حيث قال بوريس بويون الذي عينته فرنسا مباشرة بعد الثورة في جانفي 2011، إن الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي كلّفه بفتح «صفحة جديدة» مع الشعب التونسي بعد ثورة الياسمين.