عادت "المشاحنات" و"الاتهامات "و"الاحتجاجات"مجددا لتطفو على سطح الأحداث وتضع علاقة جناحي العدالة من قضاء ومحاماة والجهاز الأمني في موضع الاختبار وتطرح مرة أخرى «التوتر» الذي مافتئ يبرز بين الفينة والأخرى بين الطرفين في قضايا وحوادث معينة على غرار «حادثة محكمة بن عروس» ففي أول تحرك لها بهيئتها الجديدة أعلنت جمعية القضاة التونسيين يوم أمس يوم غضب بكامل محاكم الجمهورية حيث نفذ القضاة بمختلف أصنافهم وقفة احتجاجية أمام محكمة بن عروس وتم تأخير انطلاق الجلسات مدة ساعتين احتجاجا على ما اعتبرته الجمعية « تعديا على السلطة القضائية والانتهاك الصارخ لمقر ابتدائية بن عروس وقضاتها «. كما قامت أمس مجموعة من المنظمات والجمعيات كذلك بتنفيذ وقفة احتجاجية بالتوازي مع وقفة القضاة وهي الرابطة التونسيّة للّدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنيّة للمحامين بتونس وجمعيّة المحامين الشبّان والمنتدى التّونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعيّة والمنّظمة التونسيّة لمناهضة التعذيب والمنظمة العالميّة لمناهضة التعذيب «مكتب تونس» تنديدا بما وصفته ب«الأحداث الخطيرة التّي جّدت بمحكمة بن عروس والإعتداء على الّدفاع والمحاماة وللّدفاع عن استقلاليّة السلطة القضائيّة وللتنبيه من خطورة التشجيع على الإفلات من العقاب». وفي هذا السياق ذكر توفيق السويدي الكاتب العام المساعد لجمعية القضاة التونسيين ل«الصباح» ان يوم الغضب كان على نطاق وطني حيث شمل كل محاكم الجمهورية وقد شارك جل القضاة تقريبا بكل محاكم الجمهورية فيه باعتبار خطورة ما حصل ومرد هذه الخطورة ليس فقط فيما يتعلق بمسألة استقلالية القضاء والاحترام الواجب للهيئات القضائية كما نص على ذلك القانون والدستور وانما لتعلق الأمر حتى بوجود الدولة من خلال الانضباط لقوانينها باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة لاستعمال وسائل الاكراه المادي او ما يسمى بالعنف الشرعي ولكن ما حصل هو ان الجهة التي خولها القانون لتنفيذه واستعمال العنف الشرعي هي التي تمردت واستعرضت تلك القوة في مواجهة مؤسسات الدولة الأخرى وهذا يطرح نقطة استفهام كبرى حول ديمومة تلك الدولة- حسب قوله- . تهديد الأمن العام وأضاف أن «حادثة بن عروس» حصل مثلها في أكثر من مناسبة ولكن لم يتم اتخاذ الاجراءات اللازمة والمتماشية للحد من تكررها من خلال تطبيق القانون بوجهيه الاداري والقضائي بدأ بالقانون الأساسي لقوات الأمن الداخلي وخاصة في الفصل السابع منه والذي جاء فيه أنه « يحجر على المنتمي لهذا السلك اتيان أقوال أو أفعال تمس من هيبته او تمثل تهديدا للأمن العام «وما حصل يوم الاثنين الفارط هو تهديد للأمن العام على اعتبار ان كل وسائل العمل تلك غايتها حماية البلاد والعباد فاذا بها تتحول الى وسيلة لاستعراض القوة على مؤسسة دولة الا وهي السلطة القضائية التي عهد لها الدستور بالعقد الاجتماعي المتمثل في ائتمانها على الحقوق والحريات فضلا على دورها في فض النزاعات. الحاق الأمن بوزارة العدل وأكد السويدي ان الحل لتجاوز مثل هذه الاشكاليات ولوضع حد لتكرر مثل هذه الممارسات كانوا قد تقدموا به سابقا في اطار تصور كامل لاصلاح المنظومة القضائية وهو اخراج عملية تأمين المحاكم عن وزارة الداخلية لأن ما حصل في بن عروس يتمثل في ان أعوان الأمن المكلفين بتنفيذ أوامر وقرارات وكيل الجمهورية وقاضي التحقيق تمردوا عليهما وبالتالي يجب ان يصبح الجهاز الأمني تحت اشراف وزارة العدل وتحت رقابة وكيل الجمهورية ورئيس المحكمة هو الذي يتولى تأمين المحاكم في انتظار جهاز شرطة عدلية يخرج عن اطار وزارة الداخلية تماما ويتولى مهمة الأبحاث والانابات الى غير ذلك. ضرب لاستقلالية القضاء.. وفي ذات السياق أكد عماد الخصخوصي الناطق الرسمي باسم المجلس الأعلى للقضاء ل"الصباح" أن ما حصل في محكمة بن عروس فيه ضرب لاستقلالية السلطة القضائية ويعتبر تصرفا غير مسؤول وفيه اعتداء مباشر على حرمة المحاكم وقضاتها ومثل هذه الممارسات من شأنها زعزعة الثقة في الجهاز القضائي بما يهدد مقومات وأسس النظام الجمهوري الديمقراطي وحمل الخصخوصي السلطة التنفيذية المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني بالمحاكم مؤكدا على ضرورة تعزيز أمنها وإخضاعه مباشرة لسلطة المشرفين على المحاكم كما ان الحكومة مطالبة باتخاذ الوسائل القانونية والمادية اللازمة لتأمين المحاكم والإطار القضائي. حل النقابات الأمنية من جهته ذكر ياسين اليونسي رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان ل"الصباح" ان ما حصل في محكمة بن عروس يعد سابقة خطيرة باعتبار ان الأمنيين رابطوا بالمحكمة منذ الساعة الثامنة صباحا وأغلقوا مداخلها مما جعل المحامين في حالة خوف وهلع حيث تم الاعتداء لفظيا على المحامي الذي ينوب في القضية المرفوعة ضدهم وتم شتمه ونعته بأبشع النعوت في تجاوز خطير وقال اليونسي»ولئن حصلت مثل هذه الممارسات في وقت سابق الا أنها لم تكن بمثل هذه الطريقة غير المسبوقة بأن يتم تطويق المحكمة من قبل أمنيين مسلحين حيث أجبروا قاضي التحقيق على اتخاذ قرار بابقاء زملائهم بحالة سراح وهذا لا يمكن ان يحصل لأنهم أثروا على عمل القاضي الذي أصدر قراره تحت تأثير الخوف باعتبار انه لو اتخذ قرارا مغايرا لكانت هناك امكانية لاستخدام الأمنيين لسلاحهم لذلك دعينا لتكوين لجنة من المحامين لرفع قضية لحل النقابات الأمنية « واكد ان هناك امكانية لحلها لأن المجتمع المدني والمحامين والقضاة أصدروا بيانات تنديدا بهذا السلوك للأمنيين الذين تجاوزوا- حسب رأيه «كل الخطوط الحمراء ودعا اليونسي وزيري الداخلية والعدل ورئيسي الحكومة والجمهورية لعقد اجتماع طارئ للنظر فيما وصفه ب"المهزلة" التي كان فيها تطاول على القضاء. انشاء جهاز أمني للمحاكم من جهته أكد منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب ل"الصباح" أنه يجب وضع حد لظاهرة التعذيب كما ان النقابات الأمنية يجب عليها ان تحترم أعمال القضاء الى ان تنتهي فيما يخص زملاءهم المشتبه بهم في جريمة التعذيب ويجب التمييز بين شخصية المحامي وشخصية الشاكي فالمحامي هو مساعد قضاء ويقوم بالدور الموكول اليه وليس له دخل للاعتداء عليه فهو ينوب الشاكي فحسب وهذا لا يعني تبنيه لآرائه فهذا الخلط بين شخصية المحامي وشخصية الشاكي غير مفهوم والحل للحد من مثل هذه الممارسات بالنسبة للشرطة العدلية التي تبحث في الجرائم وتستجوب وتقوم بأعمال التفتيش يجب الحاقها بوزارة العدل فهي تعمل حاليا تحت اشراف وكيل الجمهورية ولكن اداريا يجب الحاقها بوزارة العدل كما نتبنى مقترح جمعية القضاة في انشاء جهاز أمني خاص لحماية المحاكم ويعمل تحت اشراف وكيل الجمهورية لأنه الاقرب للاشراف على مهامه. لا سبيل لحل النقابات الأمنية الى ذلك ذكر رياض الرزقي المكلف بالاعلام بالنقابة الوطنية لقوات الامن الداخلي ل"الصباح" انه ليس لديهم أي اشكال مع القضاة أو المحامين واضاف ان القضاء قام باطلاق سراح زملائه مما يؤكد أنهم مظلومين –حسب قوله- نافيا تعرض القاضي المتعهد بالقضية الى ضغظ النقابات التي «حاصرت» المحكمة يومها باعتبار انه لم يتم اقتحامها كما ان الدوريات الأمنية مرجع النظر هي التي كانت "مسلحة" ومتواجدة لاستطلاع الأمر فحسب بصفة عرضية واضاف ان الشاكي الذي يدعي تعذيبه هو «ارهابي» متهم في قضايا ارهابية وقام بعملية «براكاج» لابنة أمني متقاعد مما يؤكد ان "البراكاج" كان فيه استهداف للامنيين -حسب رأيه- . وقال الرزقي «ليس لنا أي اشكال مع أي طرف هناك زملاء تم عرضهم على انظار التحقيق وقمنا بمساندتهم فحسب «وموجة التوتر» بين الجهاز الأمني والقضائي سبق وان حصلت في عهد «الترويكا « وكانت هناك رغبة لحل النقابات الامنية ولكنها ستبقى "عصية" عليهم باعتبار ان وجودنا قانوني استنادا الى الدستور لأن اجراءات حل النقابات تطول ولا بد من توفر اثباتات قاطعة ليحصل ذلك وبالنسبة للأمنيين فانهم غير مستعدين للتنازل عن نقاباتهم لأنهم عانوا «الديكتاتورية» سابقا وبفضل النقابات أصبح الامني اليوم قادرا على رفض سياسة "التعليمات" وابداء رأيه في كل المواضيع فلا سبيل لحل النقابات الامنية ونحن نتعامل ونتعاون مع القضاة لتطوير الجهاز الامني وتكوين الامنيين ولنا عديد المشاريع الجارية معهم وهذه الحادثة لن تؤثر على العلاقة بين الجهازين. فتح بحث وفي سياق متصل ذكر عمر حنين الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية ببن عروس ل"الصباح" أن النيابة العمومية أذنت أمس الأول بفتح بحث تحقيقي ضد كل من سيكشف عنه البحث في الأحداث التي جدت يوم الإثنين بمقر ابتدائية بن عروس. وكانت النيابة العمومية بنفس المحكمة أذنت في وقت سابق بفتح بحث تحقيقي على خلفية تعرض موقوف لشبهة الاعتداء بالعنف من قبل موظف عمومي وذلك إثر شكاية تقدم بها المتضرر عن طريق محاميه ضد خمسة أمنيين تمت احالة ثلاثة منهم بحالة احتفاظ وإثنان بحالة تقديم بناء على ما تضمنه تقرير الطبيب الشرعي الذي اثبت تعرض الشاكي للعنف الذي نجم عنه وجود 22 كدمة في جسده فضلا عن إصابته بجروح أخرى في يديه نتيجة شظايا بلورية وقد يقرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية يوم الاثنين الفارط بعد سماع الامنيين المشتكى بهم والقيام بالاجراءات اللازمة لابقائهم بحالة سراح وعرضهم على القيس.