تداولت صفحات موقع التواصل الاجتماعي بصفة متواترة الخبر الذي نشره موقع إذاعة «جوهرة أف أم» يوم الجمعة الفارط حيث جاء في عنوانه «مقبرة حمام سوسة: 25 دينارا معلوم دفن أموات الجهة و250 دينارا للأغراب». وهو خبر لم يمرّ دون أن ترافقه تعاليق بين ساخطة ومستهزئة ومستغربة، وأكثر تعليق تمّت كتابته «التمييز حتى في الموت»، فالخبر لا مجال للشكّ ولا للتأويل يتضمن بوضوح سلوكا وقرارا عنصريا وتمييزيا بين متساكني جهة حمام سوسة الأصليين والوافدين عليها من مناطق أخرى. الخبر مفاده وفق ما جاء في موقع الإذاعة أنّ «معتمدة حمام سوسة ورئيسة النيابة الخصوصية منية الجويني أكّدت في مداخلة لها في صباح الورد يوم الجمعة 2 مارس الجاري أن المجلس البلدي تلقى تشكيات من قبل المواطنين في حمام سوسة ورفض لدفن «أغراب» وافدين على الجهة من مناطق مجاورة في مقبرتهم بسبب عدم وجود أماكن فيها إلا لمتساكني الجهة». فأوضحت الجويني أن «الموضوع أصبح محل تجاذبات وتشكيات ورفض من قبل المواطنين ولذلك ارتأى المجلس البلدي الذي لا يمكنه أخلاقيا منع دفن ميت وافد على المقبرة تقنين المسألة من خلال مقترح مشروع قانون.» وأضافت أن أعضاء النيابة الخصوصية اقترحوا أن يكون معلوم دفن ميت أصيل حمام سوسة ودافع للأداء البلدي 25 دينارا و250 دينارا لدفن الميت من غير دافعي الأداء البلدي كحل لهذا الإشكال الذي بات محل رفض من قبل المواطنين وهو مقترح لا يعتبر غير قانوني حسب قولها». وهنا مربط الفرس حيث أوضحت أستاذة القانون العام ثريا التيجاني ل»الصباح الأسبوعي» أنّ «دستور 2014 أقرّ مبدأ دستوريا هاما ألا وهو مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون كما ألغى جميع مظاهر التمييز بين المواطنين حيث جاء بالفصل 20 من الدستور «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون من غير تمييز، تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.» وأضافت التيجاني أن «كرامة الإنسان واحترامه تكون خلال حياته وما بعد مماته فلا تجوز إهانته حيا أو ميتا واحترام الذات البشرية بعد الممات يكون من احترام حرمة الميت وتوفير مكان يدفن فيه وإكرامه بالدفن في المقابر المخصصة لذلك" . وبيّنت الأستاذة ثريا التيجاني أن «المقابر وأماكن الدفن ينظمها القانون عدد 12 لسنة 1997 المؤرخ في 25 فيفري 1997 يتعلق بالمقابر وأماكن الدفن بعد إلغاء الأمر المؤرخ في 30 جويلية 1884 المتعلق بضبط المقابر والأمر المؤرخ في 19 ماي 1885 المتعلق بتراتيب الدفن وجميع النصوص التي نقحتها أو تممتها وحيث جاء بالفصل 14 منه ما يلى: «يتم الدفن بالمقابر بترخيص مسبق من رئيس الجماعة المحلية المختص ترابيا وتضبط تراتيب الدفن بمقتضى أمر» كما جاء بالأمر الحكومى عدد 805 لسنة 2016 المؤرخ في 13 جوان 2016 ضبط لتعريفة المعاليم المرخص للجماعات المحلية في استخلاصها أن معلوم منح التربات بالمقابر هو 15 د عن المتر الواحد كحد أدنى وحيث لم ينص القانون على اختلاف في معاليم التربات بالمقابر إذا كان الميت من غير الجهة". وقال التيجاني «يعتبر هذا المعلوم المرخص فيه رمزيا، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال أن يبلغ 250 دينارا وإلا فإن عملية الدفن لن تشمل إلا من كان ميسور الحال وهذا أمر غير مستساغ لا واقعيا ولا قانونيا»