يقترح المشروع الجديد لمجلة المياه الذي سيعرض اليوم على أنظار مجلس الوزراء للمصادقة قبل إحالته على مكتب مجلس نواب الشعب، إحداث «شرطة مياه» تتولى رصد ومعاينة كل من يتعمد مخالفة أحكام مجلة المياه ونصوصها التطبيقية في نسختها الجديدة خاصة ما يتعلق بتعمد الاعتداء على شبكات توزيع المياه ومجاري المياه الطبيعية والتجهيزات المائية كالسدود والقناطر أو استغلالها بطرق غير قانونية أو حفر وتنقيب آبار دون ترخيص أو تلويث المياه.. في مسعى للحد من الاعتداءات المتكررة على شبكات توزيع المياه العمومية والمحافظة على الملك العمومي للمياه وترشيد استغلال الثروة المائية.. ومن المقرر أن يتم في النسخة الجديدة من مشروع تنقيح مجلة المياه التي تتكون من 150 فصلا موزعة على سبعة أبواب، تمكين شرطة المياه من جميع الصلاحيات والإجراءات التحفظية، على أن تتمتع بصلاحيات الضابطة العدلية على غرار وكلاء الجمهورية وضباط ومحافظي الشرطة والحرس وأعوان الإدارات المخولين قانونا وحكام التحقيق.. وأسند الفصل 22 من مشروع المجلة مهمة معاينة المخالفات للمهندسين والفنيين التابعين للوزارة المكلفة بالمياه والأطباء والمهندسين والفنيين التابعين لوزارة الصحة وكذلك المهندسين التابعين للوزارة المكلفة بالتجهيز والوزارة المكلفة بالبيئة. على أن يتم ضبط قائمات المختصين في هذا الغرض بمقتضى قرار مشترك من الوزراء المعنيين. ووفقا للفصل 123 من نفس المجلة يتم معاينة مخالفات أحكام المجلة وللنّصوص التطبيقية بواسطة محاضر تسجل وقائع المخالفة وأقوال مرتكبيها توجه إلى النيابة العموميّة في أجل أقصاه 15 يوما من ّ ختمها. كما ينص الفصل 124 على أن «يرتدي الأشخاص المؤهّلين لحفظ الملك العمومي للمياه، أثناء قيامهم بمهامهم زيّا رسميا يتّم ضبط مواصفاته بقرار من الوزير المكلف بالمياه.» ويمنح الفصل 125 لما يسمى ب»أعوان الضابطة العدلية للمياه» كامل الصلاحيات لممارسة مهامهم. وخوّل لهم النفاذ في أي وقت إلى جميع البناءات والمنشآت التي تستعمل الموارد المائية أو تؤثر فيها، وبإمكانهم طلب الاستظهار بأية وثيقة ضرورية. يمكن لهم طلب مساعدة أعوان الأمن الوطني وخاصة في حالتي مقاومة المخالفين أو التلبس. كما أنهم مؤهلون لاتخاذ الإجراءات التحفظية التي يرونها ناجعة ومن بينها الإيقاف المؤقت للأشغال وحجز المعدات والمواد المستعملة في حالة الانتهاك واضح للملك العمومي للمياه.. الملامح الكبرى للمجلة الجديدة يذكر أن مجلة المياه يعود تاريخ إصدار أول نواة لها سنة 1920 ثم تم إصدار نسخة ثانية منها بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 1975 وخضعت بدورها إلى تنقيحات في ثلاث مناسبات، سنوات 1987، 1988 و2001. قبل أن يتم بداية من سنة 2009 الشروع في مراجعة شاملة للمجلة التي رأت نسختها الأوليّة سنة 2014، تم طرحها في ما بعد على استشارة موسّعة شارك فيها ممثلون عن المجتمع المدني من ذوي الاختصاص وذلك منذ شهر ماي 2015. ارتكزت النسخة الجديدة لها أساسا على اعتبار الموارد المائية ثروة عمومية ثمينة مع إعطاء الأولوية المطلقة لمياه الشرب والتعبئة القصوى للموارد المائية وترشيد استهلاك المياه في ظل ارتفاع ملوحة المياه الجوفية، ومحدودية الموارد المائية المتاحة وندرتها بما أن حصة الفرد لا تتعدى 450 مترا مكعبا في السنة، ومن المنتظر أن تتقلص إلى ما دون 350 مترا مكعبا خلال العشرية القادمة. ويقترح مشروع المجلة الجديد في ما يتعلق بنظام تحديد الملك العمومي للمياه تحديد مكوّنات الملك العمومي للمياه الطبيعية منها والاصطناعية. كما يضبط مجال استعمال الموارد المائية مختلفة المصادر مثل الموارد المائية غير التقليدية أو البديلة. أما فيما يتعلق بالحوكمة فيقترح المشروع الجديد إحداث المجلس الأعلى للمياه وتنشيط لجنة الملك العمومي للمياه وتعزيز مشاركة المواطنين في إدارة الملك العمومي للمياه وتركيز هيئة وطنية تعديلية خاصة بالموارد المائية وإمكانية اعتماد الحوض المائي أو الطبقة المائية الجوفية في إدارة الموارد المائية. كما يعمم المشروع الجديد اعتماد التخطيط للموارد المائية وتركيز نظام وطني معلوماتي للمياه يعنى بتجميع وتحليل واعتماد واستغلال نشر المعلومات الخاصة بالموارد المائية، والتوسع في مجال نظام التراخيص وضبط أحكامها، وضبط نظام الوقاية وسلامة المياه وخاصة مكافحة التلوّث المائي. أقر مشروع المجلة الجديدة إجراءات لمجابهة الكوارث الطبيعية، وأخضعت المجامع المائية للمحاسبة العمومية. كما ضبطت المجالات التي تحتاج نصوصا تطبيقية جديدة، مثل تحديد الملك العمومي للمياه، وتحديد منطقة التحجير التي يمنع فيها إنجاز أي بئر أو تنقيب، وكذلك القيام بأي عمل على الآبار أو التنقيبات، وتحديد منطقة الصيانة التي تخضع للترخيص من طرف الوزير المكلف بالمياه.. أو كذلك الأوامر التطبيقية المتعلقة بإحداث لجنة الملك العمومي للمياه التي تتولى إبداء الرأي الفني في كل المسائل المتعلقة بالملك العمومي للمياه وإحداث المجلس الوطني للمياه.. عقوبات مشددة حافظت النسخة الجديدة من مشروع تنقيح مجلة المياه على المسؤولية المدنية والجزائية لكلّ مخالف لأحكام المجلة، لكنها اقترحت في المقابل تشديد العقوبات على كلّ المخالفين وإقرار عقوبة السجن إضافة إلى الخطايا المالية.. واقترحت عقوبات مشددة بين خطايا مالية تتراوح بين 5 آلاف دينار إلى 20 ألف دينار، والسجن بين ثلاثة أشهر و5 سنوات. مع مضاعفة العقوبات في حالة العود. ومن أبرز المخالفات التي تستجوب عقوبات مالية وبدنية الانتهاك غير مشروع للملك العمومي للمياه عبر تخصيص مجاري المياه أو ضفاف الأودية والسباخ والبحيرات، الإضرار بالسدود أو المنشآت المعدة لتعبئة المياه وصيانة المدن، إحداث أي بناء جديد أو إقامة أي تسييج أو أية غراسه أو ما من شأنه تعطيل حرية مرور أعوان الإدارة ومعداتهم داخل المناطق الخاضعة للارتفاق، كل مستهلك للمياه لا يقوم بالكشوفات الفنية الدورية الإجبارية، كل من يقوم بعمليات إيداع أو أنشطة فلاحية أو صناعية وإقامة تجهيزات من شأنها التسبب بصفة دائمة أو وقتية، في تلوث الماء داخل مناطق الحماية، وكل من يقوم بأشغال وأنشطة متسببة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في تلويث المياه المجمعة وراء السّدود وداخل منطقة الارتفاق حول السدود، وكل من يقوم بأشغال أو أنشطة متسببة في إقامة حواجز أو أيّة تهيئة من شأنها عرقلة سيلان مياه الفيضانات عبر الأراضي القابلة للغمر، كل إحداث أو تهيئة موضع لحصر المياه أو تزود غير المشروع بالمياه بمنطقة تحجير أو منطقة صيانة، كل من قام بتدخل غير مشروع في منشآت الصرف الصحي وتجهيزاته عبر تسريب أية مادة صلبة أو سائلة أو غازية من شأنها التأثير على صحة العملة أو التسبب في إتلاف هذه المنشآت أو تعطيل سيرها.. اتحاد الشغل يعترض تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل اعترض بشدة في مناسبات عديدة على باب ورد بالنسخة قبل الأخيرة لمشروع مجلة المياه والمتعلق بتشجيع شراكة التصرف في الموارد المائية بين القطاع العام والقطاع الخاص ودعا إلى سحبه نهائيا من مشروع التعديل كما وصفته النقابة العامة لأعوان وإطارات «الصوناد» فصوله بالخطيرة وهي على التوالي الفصول 61 و62 و63 و65 و66، وقال الاتحاد بأن تلك الفصول تمهد لخوصصة الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه وقطاع المياه بصفة عامة.