أعلن مجلس إدارة صندوق النقد الدولي يوم الجمعة الفائت موافقته على منح تونس القسط الثالث من القرض التسهيل المهدد بقيمة 257,3 مليون دولار عوض عن 320 مليون دولار المعلن عنها سابقا وهذا القرار في رأيي هام وإيجابي لسببين على الاقل الأول أن هذا الصرف سيساهم في تحسين وضعية المالية العمومية في الأسابيع القادمة والتخفيض من حدة الأزمة التي نعيشها السبب الثاني هو أن هذه الموافقة ودعم صندوق النقد سيساهم في طمأنة المستثمرين العالميين خاصة قبل أيام من خروج بلادنا على الأسواق العالمية لإصدار فرض رقاعي بحجم مليار دولار. إلا أنه وإلى جانب الموافقة على صرف القسط الثالث فإن المسألة الثانية الهامة التي يجب الوقوف عليها على قرار مجلس الإدارة بالمرور إلى أربع مراجعات سنوية أي مراجعة كل ثلاث أشهر وفي رأيي فإن هذه القرار ليس قرار تقني فيعكس جوانب سياسية هامة. أشار الجانب الحكومي إلى أن هذا القرار هو تقني هدفه الوصول إلى سحب كامل مبلغ القرض في بداية 2020 إلا أن مصادر من صندوق النقد تشير إلى أن الهدف من هذا التغيير هو متابعة التطورات الإقتصادية وتطبيق إلتزامات بلادنا بكل جدية وفي الآجال المتفق عليها. إن برمجة عدد المراجعات في إطار الإتفاقات والقروض التي يعطيها صندوق النقد ليس مسألة تقنية فقد بل تحمل كذلك معاني سياسية هامة وقد سعت بلادنا كما تعمل عديد البلدان إلى التقليص من عدد المراجعات لأنها ثقيلة ومنهكة من حيث الإعداد والعمل فكل بعثة مراجعة لصندوق النقد في أي بلاد تتطلب مرحلة إعداد هامة يشارك فيها عدد كبير من الوزراء والمسؤولين السامين من مختلف الوزارات والبنك المركزي ثم تأتي الزيارة والتي تدوم عديد الأيام وتتطلب كذلك مستوى كبيرا من العمل وتأخذ جهدا هاما من المسؤولين الحكوميين ومفاوضات عسيرة والمتاعب مع هذه المراجعات لا تنتهي من الزيارة بل يتواصل العمل بعد الزيارة بين الطرف الحكومي وفريق صندوق النقد إلى حد المرور أمام مجلس الإدارة أي تتطلب الزيارة على الأقل شهرين أو أكثر من الجهد والعمل الذي يقوم به المسؤولين الحكوميين ويدفعهم إلى ترك أعمالهم الأخرى كما أن كثرة المراجعات يجعل من الصندوق في وضعية متابعة يومية العمل الحكومي ويحد من هامش الحركة والحرية ويقبل صندوق النقد بتقليص عدد المراجعات عندما يتأكد أن السياسة الإقتصادية تسير في الإتجاه المتفق عليه مع الحكومة. وقد عملت الحكومات المختلفة في بلادنا منذ 2014 إلى التقليص في عدد المراجعات وقد تمكننا من تحديد مراجعتين منذ هذه الفترة لقناعة الصندوق أن مسار الإصلاحات والعد من تردي التوازنات الكبرى بدأ يسير في الإتجاه الصحيح. إلا أن المرور من مراجعتين إلى أربع مراجعات في السنة بعد القرار الأخير للصندوق له دلالات كبرى فإلى جانب الجهد الكبير واستنزاف قوى عمل المسؤولين فإن هذه الخطوة تشير إلى إرادة الصندوق في متابعة السياسة الإقتصادية في بلادنا ونسق الإصلاحات بأكثر دقة لقناعتهم بالتأخير الكبير في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية ويشير صندوق النقد في أكثر من تقرير إلى ضرورة أخذ قرارات أكثر جرأة في السياسة المالية ورفع نسب الفائدة لإيقاف التضخم وسياسة الطرف لتعويم الدينار من أجل دفع الصادرات. وقد أثرنا في عديد المقالات إشكالات التي تثيرها هذه السياسة وتأثير السلبي على الإستثمار التي يعتبر القاطرة الأساسية لدفع النمو. نعتقد راسخا أن التعاون مع الصندوق والمؤسسات الدولية هو أساسي وضروري لدفع التحول الإقتصادي والخروج من الأزمة الإقتصادية إلا أن هذا التعاون يتطلب نقاشا صريحا حول السياسات الإقتصادية يتجاوز التحديات الحالية وأزمة المالية العمومية.