احتفل المسرحيون في تونس كسائر المسرحيين بالعالم العالمي للمسرح باليوم العالمي للمسرح لكن وسط أجواء وخصوصية تونسية. إذ استعدت أغلب مراكز الفنون الدرامية والركحية القديمة منها أو ما هو محدث، لهذه المناسبة من خلال تنظيم تظاهرات وملتقيات وعروض وأنشطة طغى عليها الطابع الاحتفائي وكان الفن الرابع بمختلف أنماطه ومدارسه حاضرا فيها. من جهتها احتفلت مدينة الثقافة بهذا اليوم عبر تنظيم تظاهرة في دورتها الأولى وهي أيام مسرح المدينة بمسرح الجهات أعدت خصيصا لهذه المناسبة فيما يتواصل المهرجان السنوي «أسبوع اليوم العالمي للمسرح» الذي ينظمه المسرح الوطني من 24 من الشهر الجاري إلى غاية غرة أفريل المقبل ويتضمن برنامجه عروضا مسرحية من تونس وأعمال مسرحية وكوريغرافية عربية وأجنبية تعد مناسبة هامة لاستكشاف تعبيرات مسرحية متنوعة. ولعل ما ميز احتفالية هذا العام هو ما سجل من تزايد في عدد مراكز الفنون الدرامية والركحية بتونس، في إطار تأكيد سياسة تعميم هذا المشروع الذي انطلق منذ سنة 1993 بعد إعلان بعث أول مركز في تونس وهو مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف في 27 مارس من تلك السنة. لتتبعه في سنوات متباعدة بعث مراكز مماثلة بقفصة وصفاقس فمدنين. ليتضاعف العدد في المرحلة الأخيرة بعد فتح مراكز جديدة منها ما كان معطلا على غرار مركز الفنون الدرامية والركحية بالقيروان الذي ناضل من أجله عدد من المسرحين والناشطين في الحقل الثقافي من أبناء الجهة بصفة خاصة بنظيم تحركات ووقفات احتجاجية في سنوات ما بعد ثورة 14 جانفي للمطالبة باتمام مشروع المركز الذي تم الاعلان عنه منذ سنوات لكنه ظل متوقفا، ليتم بعث مراكز جديدة خلال هذا العام بكل من المهدية والقصرين وقبلي وتطاوين. وذلك في انتظار تعميم التجربة وفق ما أكده في الغرض المسرحي الدكتور محمود الماجري بقوله :»بعد أن أثبتت الفكرة نجاعتها وجدواها في تنشيط الحركة المسرحية داخل الجهات لذلك فإن سياسة الدولة ماضية من أجل تعميم هذه التجربة باعتبارها الطريقة الأمثل لتكريس لامركزية الثقافة وتحديدا في مستوى المسرح من خلال إتاحة فرص وفضاءات وهياكل للعروض والتكوين والإنتاج والدعم». وأضاف في سياق متصل: «أعتقد أن مراكز الفنون الدرامية والركحية هي المؤسسة والهيكل الأكثر ضمانة لمثل هذه الشروط». وينتظر أن تشهد بعض الجهات الأخرى بعث مراكز جديدة. إلا أن البعض متخوف من التأثيرات السلبية لهذه المؤسسات والدور الذي يمكن أن تلعبه في تكريس المركزية الجهوية للمسرح على مستوى جهوي أيضا، مقابل القضاء على «نواة» الفعل المسرحي داخل الجهات في الفرق والنوادي والجمعيات المنتشرة في بعض المدن ودور الثقافة والشباب والمعاهد والمدارس بما يساهم في تجفيف منابع «الموهبة» باعتبار أن النشاط والدعم والاهتمام سيكون منصبا على مثل هذه المراكز الجهوية دون سواها. والأمر لا يتوقف على جملة هذه المؤسسات بل سجل ولادة المركز الوطني لفن العرائس ومقره بمدينة الثقافة مكسبا للمختصين في هذا النمط المسرحي الذي يزخر بعديد الكفاءات ويتوجه إلى شريحة هامة من الجمهور المسرحي. ولعل ما ميز احتفالية تونس باليوم العالمي للمسرح أمس هو أن أهل الفن الرابع لا يزالون يتحسسون موقعا أفضلا في المشهد الثقافي عامة لاسيما في ظل غياب منظومة قانونية واضحة تنظم مسألة الدعم للإنتاج والعروض وتدفع وتشجع على الإبداع وتقطع مع مقاييس «المحاباة» والغموض الذي يكتنف هذه المسألة وساهم في تردي أوضاع القطاع رغم ما تزخر به بلادنا من كفاءات وتجارب وأسماء رائدة ومشهود لها على المستويين اللإقليمي العربي والعالمي. إن احتفالية هذا العام أيضا ترافقها استفهامات وانتظارات تتقاطع في اجماع أهل الفن الرابع في وضع ومناخ إبداعي أفضل تتفق حوله الهياكل والنقابات والجمعيات المهنية قادر على استيعاب الكفاءات والتجارب من مختلف الأجيال بما في ذلك إيلاء اهتمام أكبر بمهرجان أيام قرطاج المسرحية. لأن ما عرفه هذا المهرجان العريق من صعوبات في دوراته الأخيرة كادت تحول دون تنظيم الدورة الماضية لاسيما بعد تقلص قيمة دعم سلطة الإشراف لهذا المهرجان، يبين ويختزل الوضعية الصعبة التي يمر بها «أب الفنون» في تونس اليوم في حين كان يفترض أن يكون من بين أكثر القطاعات الثقافية انتعاشة في هذه المرحلة مستفيدا من هامش الحرية المكتسب في سنوات ما بعد الثورة.