صدر للأكاديمي والباحث التونسي في الأدب العربي القديم الدكتور فؤاد الفخفاخ كتابا جديدا «الهزل في الشعر العربي: خصائصه المعنوية ومقوماته الفنية»، صادر عن منشورات زخارف بتونس في طبعة أنيقة وحجم متوسط يتضمن 618 صفحة. وتناول الباحث في هذا الكتاب دور الفكاهة في الأدب العربي عامة والشعر بصفة خاصة. ليكون هذا المنجز مواصلة لمبحث أدبي متعدد الفروع نهجها في توجهه البحثي والأكاديمي باعتباره صاحب أول أطروحة دكتوراه عربية حول شعر الهزل في العصر العباسي كما خاض في أغراض ومواضيع أدبية وسياسية واجتماعية وايديولوجية أخرى قدم بعضها في كتب صدرت في العقدين الأخيرين نذكر من بينها «الشابي بين الرومنطيقية والواقعية» و»الشابي حاضر بيننا» وله أيضا قيد الطبع «الوطنية في شعر الشابي» و»الحجاب والنقاب والخمار والجلباب». وما يحسب للكاتب أنه تصدى في هذا البحث لدراسة موضوع طريف، ورغم غزارة المادة الأدبية الخاصة به إلا أنه ظل مبحثا غير مدروس دراسة أكاديمية شاملة وعميق، وفق ما ذهب له الأستاذ الدكتور مبروك المناعي في تقديمه للكتاب. ثم أن أهميّة هذا الإصدار الجديد تكمن أيضا في كونه يبحث في ظاهرة الهزل في الشعر العربي منذ العصر الجاهلي ويعدّ هذا البحث الأول من نوعه لأن الدراسات الأخرى إنما هي إصدارات تلامس جوانب الظاهرة لا في الشعر وإنّما في النثر. كما يعدّ هذا الكتاب إضافة هامة لرصيد البحث العلمي الأكاديمي لا سيما أنّه يسدّ ثغرة هامّة في دراسة الشعر العربي القديم فضلا عما يمكن أن يوفره للقارئ من متعة تعويضيّة في ظل الواقع البائس والمأزوم. لذلك كان هذا الكتاب بمثابة لمّ شتات لهذا اللون من الشعر مع التأريخ له وتحليل معانيه ومقاصده وأبعاده والظروف الحافة بالإبداع في المجال إضافة إلى تقديم متعلقاته الفنية والشعرية ليقدمه للقارئ بطريقة تجعل فهمه واستيعابه يسيرا وعملية ممكنة التحقق للجميع ولا يحتاج لمراجع وتفاسير أخرى باعتبار أن الدكتور فؤاد الفخفاخ أرفق كتابه وذيل صفحاته بجملة المراجع التي اعتمدها في بحثه هذا فضلا عن فهرسة كتابه بالمصادر والمراجع التي استعان بها في هذا المنجز الأدبي الطريف والفريد من نوعه. فكان ثريا من حيث الأغراض التي انتقاها وجمعها الباحث من شعر الهزل العربي بذكر أصحابها وقدمها في بحث وتحليل وتفسير لم تخل من طرافة. وقسم كتابه إلى قسمين تناول في الأول «خصائص عن الهزل المعنوية في العصر العباسي» وقسمه بدوره إلى أربعة فصول تناول فيها حجم مدونة شعر الهزل في تلك المرحلة التاريخية وعلاقة ذلك بالعوامل الثقافية والسياسية والاقتصاية والاجتماعية. وتوقف في التأريخ لشعر الهزل في تلك المرحلة عند معانيه وتوقف في ذلك عند مضامين مواضيع مختلفة. أما القسم الثاني من نفس الكتاب فخصصه الباحث لمقومات شعر الهزل الفنية وقسمه بدوره إلى خمسة فصول ركز فيها على الجوانب اللغوية والبنيوية والأسلوبية والبلاغية والمعاني وغيرها من العناوين الأخرى التي تضع القارئ في سياق دراسة وقراءة تسهل الفهم والاستمتاع بهذا الكتاب رغم حجمه الكبير. خاصة أن الباحث وأستاذ الأدب العربي القديم بالجامعة التونسيّة يذهب إلى أن هناك ميلا فطريا لدى الجميع نحو الدعابة والدعاية عبر استخدام أسلوب الهزل في قالب الجدّ لا في الخطاب الفني فحسب وإنما كذلك في الكلام الشّفوي اليومي يصف ذلك بكونها ظاهرة اجتماعية. ويعتبر ان هذا الكتاب يجد أصوله وجذوره في تراث الأدب العربي القديم لا سيما كتاب «المستطرف في كل فنّ مستظرف» لشهاب الدّين الإبشيهي. وهو كتاب جامع للنكت في جميع الميادين وحسب نوعية المهنة والرتبة الاجتماعية. لذلك يمكن القول أن كتاب «الهزل في الشعر العربي» للأكاديمي بالجامعة التونسية الدكتور فؤاد الفخفاخ هو مرجع يؤرخ لشعر الهزل في العصر العباسي وهو جامع وشامل من حيث الأغراض والبنى الحافة بالإبداع الأدبي في هذا المجال ويعد قيمة أدبية نوعية يمكن الاستئناس بها بالنسبة للدارسين والباحثين.