الساعات القادمة قد تكون حاسمة في المشهد السوري وربما تقترن بهجوم عسكري أمريكي على دمشق يسجل للرئيس الامريكي دونالد ترامب الاقتداء بأسلافه في البيت الأبيض، فتكون له بدوره حربه التي سترتبط بولايته الرئاسية الاولى وتفتح له الطريق لولاية ثانية.. الواقع أيضا وفي انتظار ما يمكن أن تحمله الساعات القادمة أن الحديث عن عودة الحرب الباردة بين العملاقين الامريكي والروسي أقرب منه للعبث والاستخفاف بالعقول وإنكار الحقائق... وقد يكون الحديث عن زمن الحرب الباردة ولى وانتهى لتحل محلها الحرب الحارقة، وهي حرب تدار بالوكالة ولا يراد لها أن تهدأ أو تتوقف، وهي بالتأكيد حرب استنزاف أوشكت على تدمير منطقة الشرق الاوسط والعصف بها. وقودها بقية من أوطان وحطبها مصير أجيال متعاقبة لم تعرف في حياتها غير القتل والتشرد والضياع، وهي حروب لن تنتهي قبل تغيير وجه المنطقة كليا وإعادة تقسيمها وفق لعبة المصالح بين القوى المعنية بتحريك خيوطها لتُخفي حدودا وتُظهر أخرى... الامر الوحيد الواضح والذي لا يقبل التشكيك في المشهد الراهن أن المستفيد الوحيد من كل الاحداث كانت ولا تزال اسرائيل ونجاحها الاخير تحويل الأنظار عن جرائم الحرب التي تقترفها في غزة وتوجيه الاهتمام بدلا من ذلك الى كيمياوي سوريا... ومن المفارقات الحاصلة التي ترافق الحرب الحارقة التي يعيش العالم على وقعها منذ سبع سنوات أن يتحول القتل اليومي والدمار الممنهج الى مشهد مألوف الى درجة التطبيع مع العقليات طالما ارتبط القتل اليومي بكل أنواع الاليات العسكرية المتوفرة... وستبلغ اللامبالاة أسوأ مظاهرها لدى صناع القرار ازاء آلاف الضحايا الذين يموتون يوميا بالرصاص أو القصف أو الحصار أوالتجويع أو التشرد أو الغرق أو غير ذلك من الاسباب.. ولكنه سيكون من غير المباح وسيتحول الى جريمة ضد الانسانية في حال تم اللجوء للسلاح الكيميائي... وكأن الأمر سيكون مختلفا إذا كتب على الضحايا مواجهة الموت قصفا أو جوعا أو رميا بالرصاص.. الاستنفار الحاصل في الغرب بسبب استعمال السلاح الكيميائي في دوما لا يمكن أن يكون استنفارا لأجل «انسانية الانسان» كما دوّن ذلك الرئيس ترامب، لسبب بسيط وهو مرتبط بأصحاب السلاح الكيميائي ومصنّعيه والمستفيدين منه. فهو السلاح الذي خبر العالم بشاعته في مختلف الحروب القذرة لهذا العصر بدءا من الحرب العالمية الاولى الى الحرب العالمية الثانية وما رافقها من تطوير للسلاح الكيميائي وللعامل البرتقالي الذي استعملته امريكا في فيتنام، وتبقى صورة طفلة النابالم الاكثر تعبيرا حتى اليوم، وقبلها هجوم هيروشيما وناكازاكي، وغيرها من الاسلحة المحرمة دوليا التي استعملت في العراق... طبعا لا شيء يمكن ان يبرر اللجوء الى هذا السلاح اليوم، سواء تعلق الامر بالنظام السوري ان أثبتت التحقيقات الدولية ذلك، أو التنظيمات المسلحة أو الارهابية المتنافسة في سوريا... ولكن السؤال المطروح هل يمكن التأكد من الطرف أو الاطراف التي تقف وراء ذلك الهجوم؟ وهل يمكن للنظام السوري الذي قد يكون على أهبة الاستعداد للعودة الى الجامعة العربية عبر بوابة قمة الرياض أن يقامر بهذه الخطوة؟ لسنا بصدد تبرئة دمشق ولكن توجيه أصابع الاتهام للنظام السوري في هذا الهجوم قد لا يستند الى أي منطق.. وقد وجب التذكير بتسليم سوريا منذّ 2013 ما بحوزتها من سلاح كيميائي للهيئات الاممية المعنية... والحقيقة ايضا أن في تجربة اجتياح العراق تحت غطاء اجتثاث سلاح الدمار الشامل المزعوم في هذا البلد الذي خرج من دكتاتورية الفرد ليسقط في دكتاتورية الفساد والظلم والإرهاب، ما يدعو للتوجس ونحن نعيش على وقع ذكرى سقوط بغداد في 9 أفريل، من الحسابات المتبقية في تقرير مصير سوريا الذي يصاغ بين القوى المتنفذة في المنطقة... ولا ندري صراحة كيف يمكن أن يكون موقف الضحايا لو سئلوا عن النهاية التي يريدون.. وكأن الشاة يضيرها سلخها بعد ذبحها... وفي ذلك الحقيقة ما يعكس قمة نفاق وافلاس وعجز المجتمع الدولي الذي أعلن الاستنفار بعد عملية دوما الاجرامية... نقول هذا الكلام في انتظار أن يتضح موقف الادارة الامريكية ومعها موقف مجلس الامن الدولي ازاء استعمال السلاح الكيميائي في دوما... مع دخول الحرب في سوريا عامها الثامن على التوالي لم يعد بالإمكان احصاء ضحايا النزيف المستمر في هذا ا البلد المفتوح على كل السيناريوهات بعد أن تحولت سوريا الى مخبر مفتوح لكل أنواع السلاح والشبكات المسلحة المتناحرة تحت رايات وإن اختلفت عناوينها فقد اتفقت على أن تجعل من الدين تجارة للعبث بمصير الاوطان والشعوب... الزمن ليس زمن الحرب الباردة، إنه زمن الحرب الحارقة، وليس على المشككين سوى أن يجولوا بأنظارهم حيث يحصد الموت المئات كل يوم..