هناك في عمق الصحراء.. وتحديدا في منطقة «الكامور» من ولاية تطاوين أين المساحات الصحراوية الشاسعة والمسالك الوعرة يقف بكل شموخ جنودنا البواسل درعا حاميا للوطن، وحصنا منيعا من اجل امن البلاد والعباد متحدين قساوة الطبيعة غير عابئين بلفح الصيف أين تبلغ درجات الحرارة فيه 50 درجة ولا بقساوة البرد حيث تصل درجات الحرارة إلى درجتين شتاء. هناك وسط صحراء قاحلة يقف جنودنا الأشاوس سدّا منيعا أمام كل أشكال المخاطر التي من شانها أن تهدّد امن وسلامة البلاد على غرار التّهريب والإرهاب. في تلك الرّقعة من الأرض أين الامتداد اللاّمتناهي للمساحات الصحراويّة والمسالك الوعرة والتضاريس الجبلية والرملية، ينتشر الفيلق الأول الترابي الصحراوي برمادة تحدوه إرادة صلبة وعزيمة من صخر تقف شامخة أمام وٌعورة المكان. هناك كان جنودنا الأشاوس حماة البلاد وحصن البلاد ودرعه الواقي في مواجهة الأخطار.. هناك في عمق الصحراء لامسنا عن كثب مفهوم التضحية ومعنى العطاء الامتناهي في سبيل الوطن من خلال الجهود اللامتناهية التي يبذلها الفيلق الترابي الأول الصحراوي برمادة. كانت رحلتنا الى الكامور التي انطلقت في السادسة والنصف من صباح الثلاثاء الماضي -في إطار الزيارة الميدانية التي نظمتها وزارة الدفاع الوطني لمختلف ممثلي وسائل الإعلام إلى الفيلق الاول الترابي الصحراوي برمادة - حيث كانت الانطلاقة من القاعدة العسكرية بالعوينة أين استقلّينا الطائرة. وبعد ما يقارب الساعة والنصف من التّحليق جوا حل رحالنا في رمادة. ومن هناك انطلقت الرحلة فمن مقر قيادة الفيلق الأول الترابي الصحراوي برمادة اين تعرفنا نظريا على مهام الفيلق من خلال عرض لشريط فيديو تولى تقديم ابرز المهام الموكولة الى الفيلق. إلى الكامور أين لامسنا عن كثب جهود قواتنا العسكرية في تامين الفضاء الصحراوي. الطريق التي سلكناها من رمادة الى الكامور اقل ما يقال عنها أنها وعرة، شاقّة، ومضنية كمشقة المهام والمسؤوليات المناطة بعهدة الفيلق الاول الترابي الصحراوي برمادة والتي يتحداها جنودنا البواسل بعزيمة فولاذية. كانت الساعة تقريبا الحادية عشرة والنصف حين وصلنا إلى الكامور.. هناك حيث العيون التي لا تنام.. هناك أين اليقظة المستمرة على امن البلاد والبلاد.. هناك أين تقف الإرادة والصمود والعزيمة لجنودنا البواسل شامخة «مستهزئة» بقساوة الطبيعة عقيدتهم في ذلك حب وطن اقسموا على فدائه بارواحهم وحمايته من كل الأخطار التي تتهدّده. يتولى الفيلق الأول الترابي الصحراوي برمادة تغطية مساحة لا تقل عن 35 ألف كلم مربع، كما يراقب حوالي 600 كلم من الحدود مع ليبيا والجزائر أي ما يعادل خمس مساحة الجمهورية التونسية وفق ما ذكره آمر الفيلق العمييد شكر بلحاج محمد. وتتمثل المهمة الرئيسية للفيلق الذي تعود نواة انبعاثه الأولى إلى سنة 1957 في الاستعلام والتفطن والتصدي لكل أشكال المساس بسلامة التراب الوطني والتصدي لها فضلا عن تقديم الدعم للوافدين على المنطقة الصحراوية إلى جانب التدخل لمجابهة الكوارث ونجدة المواطنين. والمشاركة في حفظ النظام في النقاط الحساسة بالنظر الى المنشآت البترولية التي يتولّى الفيلق تأمينها. وتتميز المنطقة التي يتولى الفيلق الأول تأمينها (رمادة وبرج بورقيبة وبرج الخضراء) حسب ما أورده العميد شكري بلحاج محمد بشساعة مساحتها وتشعب طرقاتها فضلا عن صعوبة مسالكها، وتنوع تضاريسها الجبلية والحجرية والرملية فضلا عن خصوصية الطقس. ويتم تأمين هذا الفضاء الصحراوي عبر الدوريات الحدودية البرية والجوية ودوريات المهاري التي تتولى الاستعلام والمراقبة مع إمكانية التدخل في الفضاءات العميقة وفي المناطق الصعبة التي لا يمكن الوصول إليها بالسيارات. فعلى بعد بضع خطوات من محطة الضخ بالكامور التقينا بدورية المهاري التي تستعمل الجِمال في عملها الاستطلاعي والاستعلامي. هذه الدورية التي تمتلك عزيمة حديدية وارادة صلبة تتكبّد مشقة التنقل لاسابيع وسط صحراء شاسعة قاحلة بهدف رصد التحركات الإرهابية والإجرامية وللاستعلام عن كل ما يهم سلامة التراب التونسي. أما منظومات المراقبة لالكترونية فهي في عهدتها استطلاع الحدود برا وجوا والكشف عن التحركات المشبوهة والتي تتعلق أساسا بعمليات التهريب والتحركات مشبوهة. كما يتولى الفيلق أيضا تأمين النقاط الحساسة والتدخل لفائدة المنشآت العمومية على غرار حماية ومراقبة الشركات البترولية ومواقع الانتاج داخل الصحراء. إمكانيات وتقنيات حديثة وجهود استثنائية في تامين الفضاء الصحراوي كلها ساهمت في أن يكون الوضع الأمني بالحدود الجنوبية الشرقية والحدود الجنوبية الغربية مستقرا وتحت السّيطرة وفقا لما أكده آمر الفيلق. هذه الجهود المبذولة تترجمها لغة الأرقام حيث أسفرت الحصيلة في مجال مقاومة التهريب ومكافحة الإرهاب خلال الثلاثة أشهر الماضية من السنة الحالية عن إيقاف 578 شخصا وحجز بضائع مهربة تقدر قيمتها المالية بحوالي 3 مليون دينار وتتعلق هذه البضائع بمحروقات ومحركات وقطع غيار...الخ . في حين قدرت القيمة المالية للبضائع المهربة المحجوزة ب 18 مليون دينار سنة 2017. وبالتوازي مع الجهود المذكورة لا يمكن التغافل عن أهمية العمليات الاستباقية في مجال مكافحة الارهاب فالذاكرة تحفظ إلى اليوم عملية إحباط المخطط الإرهابي خلال شهر رمضان 2017 والذي كان يرمي الى اقامة امارة داعشية برمادة حيث ساهم الفيلق بالتنسيق مع الوحدات الأمنية في إحباط هذا المخطط. في هذا الخضم لا يمكن إلا القول بان الفيلق الاول الترابي الصحراوي برمادة يجسم فعليا معنى العطاء اللامتناهي في سبيل حرمة الوطن وأمن البلاد والعباد فهم فعلا مثال يحتذى به في الصمود هاجسهم الوحيد الدفاع عن حرمة الوطن والذود عنه من كل المخاطر التي تهدده كلفهم ذلك ما كلف..