بعد سويعات فقط من انطلاق الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية وفي تجمّع عمالي كبير انتظم أوّل أمس أمام مقرّ الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ، صرّح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ،منتقدا سياسات الحكومة، قائلا «الحكومة تصمت على محاربة التهريب والحيتان الكبيرة وهي عاجزة لأنها تخشاهم فهم يمولون الحملات الانتخابية للأحزاب المعروفة».. اتهام خطير من شخصية مطلعة ومؤثّرة في الشأن العام، يأتي في سياق حملة انتخابية تخوضها قائمات حزبية وقائمات ائتلافية وقائمات مستقلّة بجدية وبحماس لكسب رهان أوّل انتخابات بلدية تشهدها البلاد. وعلى خطورة تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل إلا انه تصريح بقي دون رد من أي طرف وخاصّة «الأحزاب المعروفة» التي اتهمها بتمويل حملاتها من المهربين و»الحيتان الكبيرة»، التي لم تفنّد هذه التهمة الخطيرة التي تمسّ بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية برمّتها، ولا تأتي هذه التهمة من فراغ بل تجد لها صدى في تصريحات رسمية تكشف عن تقاعس الأحزاب في الكشف عن تقاريرها المالية وتجد لها صدى حتى في التقارير الرسمية لهيئات الرقابة المعنية بمراقبة تمويلات الحملات الانتخابية مثل دائرة المحاسبات التي أقرّت بوجود تجاوزات واخلالات في تمويلات القائمة الانتخابية في انتخابات 2011 و2014. وللحدّ من ظاهرة التمويلات المشبوهة التي تضّر بشفافية ونزاهة الانتخابات وبالعملية الديمقراطية برمّتها ،استنفرت الهيئة العليا للانتخابات والهيئات الرقابية المعنية بالشان الانتخابي وكذلك المجتمع المدني حيث أعلنت «أنا يقظ» عن مشروعها لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية لعدد من الأحزاب والقائمات الائتلافية والقائمات المستقلة في 12 دائرة انتخابية بلدية. المهربون و«الحيتان الكبيرة» أشار تقرير دائرة المحاسبات المتعلّقة بالانتخابات التشريعية 2014 أنه «رغم عدم التوصّل الى الجزم بوجود تمويل أجنبي للحملة الانتخابية من عدمه فإن النقص في أعمال الرقابة من قبل الهياكل المعنية ساهم في ارتفاع المخاطر بهذا العنوان وذلك بالنظر إلى حجم التدفقات البنكية والبريدية أو في شكل عملة نقدية التي تمت خلال الفترة الانتخابية» وهو ما يثبت أن نقص أعمال الرقابة وكذلك التدفقات المالية وخاصّة المعاملات النقدية التي يلجأ لها المرشحون وعادة لا يتم تضمينها في السجلاّت المالية للقائمات المترشّحة يضاعف مخاطر التمويل المشبوه رغم أن القانون يفرض الالتزام بأن تمرّ كل المعاملات المالية للقائمات المترشّحة عبر حساب بنكي معلوم ليسهل مراقبة التمويل والإنفاق للقائمات المترشّحة. وتبقى المعاملات النقدية المباشرة من أخطر التجاوزات التي تمسّ من نزاهة وشفافية التمويل والإنفاق في الحملات الانتخابية لأنها لا يتم إدراجها في سجلاّت تمويل الحملات الانتخابية عادة، خاصّة وأننا لاحظنا في أكثر من استحقاق انتخابي أن نفقات الحملات الانتخابية غير منسجمة مع الاعتمادات المرصودة أو المصرّح بها.. وعدم الانسجام بين بعض الحملات الانتخابية «الباذخة» واعتمادات التمويل المصرّح بها كان دائما محلّ الجدل المُثار حول شبهات محتملة لتمويل الحملات ولتسرّب المال السياسي الفاسد إلى الحياة الحزبية بما يؤثّر على إدارة الشأن العام .. ونجد في خانة المتهمين بالتدخّل في صياغة المشهد السياسي وفق توجهاتهم ورغباتهم ومن خلال ما يضخونه من أموال لتمويل الحملات الانتخابية ، بعض رجال الأعمال الذين يدعمون بعض الأحزاب في الخفاء وفي العلن، بعضهم يوصف ب»الحيتان الكبيرة» أو كما وصفهم أيضا الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، لتورّطهم في شبهات فساد مالي، واليوم نجد أيضا «المهربين» الذين ذكرهم الطبوبي أيضا، والذي قال أن الحكومة تخشى مواجهتهم لأنهم يمولون حملات أحزاب معروفة.. المهربون الذين بدوا أقوى من الدولة واستطاعوا هزم حتى «حملة الحكومة لمكافحة الفساد» والتي تعطّلت بعد بضعة أمتار من انطلاقها. الأحزاب لا تكشف مصدر أموالها بات من الثابت اليوم أن أغلب الأحزاب لم تترسّخ لديها بعد ثقافة الشفافية والنزاهة في المعاملات المالية، بالنظر إلى تغاضي أغلب الأحزاب ومنها أحزاب كبرى ومعروفة وقد أكّد الوزير المكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية مهدي بن غربية، مؤخّرا، أن 27 تقريرا ماليا فقط قدمتها أحزاب لدائرة المحاسبات بين سنتي 2015 و2018، في حين وصل 14 تقريرا من مراقبي الحسابات في نفس الفترة لرئاسة الحكومة، في المقابل 211 حزبا قانونيا تنشط اليوم في الساحة السياسية. وبالإضافة إلى عدم الكشف عن التقارير المالية للأحزاب فإن عددا كبيرا من القائمات الانتخابية تتعمّد عدم إرجاع الأموال العمومية التي تم رصدها للقائمات الانتخابية المترشحة، وقيمة التمويل العمومي الذي لم تسترجعه الدولة التونسية من الأحزاب المشاركة في انتخابات 2011 و2014 تبلغ أكثر من 5 مليون دينار، وفق ما صرح به وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان مهدي بن غربية..رقم يبدو مهولا تكبّدته المجموعة الوطنية دون أن يعود عليها بفوائد... «أنا يقظ» تراقب التمويل الانتخابي منذ أيام أعلنت منظمة «أنا يقظ» عن انطلاق مشروعها لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية في الانتخابات البلدية 2018، وذلك بمبادرة من المجتمع المدني للحدّ من التمويلات المشبوهة للحملات الانتخابية، وقد أكّدت «أنا يقظ» أن هذا المشروع لن يشمل جميع البلديات بل 12 بلدية فقط وهي تونس والقيروان وصفاقس وقفصة ونابل والمنستير والكاف وتطاوين وأريانة وبنزرت وسوسة ومدنين، وبالنسبة للأحزاب والقائمات الائتلافية التي ستقع مراقبتها فهي حركة النهضة وحركة نداء تونس وحزب حراك تونس الإرادة وحزب التيار الديمقراطي، إلى جانب الاتحاد المدني والجبهة الشعبية.