استجابة إلى طلب قدمه يوسف الشاهد رئيس الحكومة للبرلمان لاستعجال النظر في مشروع القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، انطلقت لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية أمس في نقاش هذا المشروع. وعقد نوابها جلسة بقصر باردو للاستماع الى مهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان، وشوقي قداس رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية. وأكد النواب بالمناسبة على أهمية سن قانون جديد يحمي المعطيات الشخصية للتونسيين حماية فعلية لأن هذه المعطيات مستباحة بشكل كبير، وعبر بعضهم عن رغبتهم في تمريره قبل الخامس والعشرين من ماي القادم لتلافي ادراج تونس في قائمة سوداء للبلدان التي لا توفر ضمانات كافية لحماية المعطيات الشخصية، ولتجنب سيناريو هروب المستثمرين الأجانب: خاصة وأن الفضاء الأوروبي الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لتونس سيوفر بداية من هذا التاريخ المفصلي على مستوى دوله ال47 حماية عليا للمعطيات الشخصية، وتبعا لذلك سيتم تسليط عقوبات صارمة على المستثمرين الذي يتعاملون مع دول لا ترتقي فيها حماية المعطيات الشخصية الى المستوى الموجود في اوروبا. وفي المقابل أبدى عدد من النواب أسفهم لأن القانون القديم لم يطبق، ولأن الحكومة تأخرت في تقديم المشروع الجديد، ولأنها قدمته فقط لأنها تتعرض الى ضغوطات وإملاءات خارجية، لا رغبة منها في حماية المعطيات الشخصية للتونسيين، ولم يخف بعضهم توجسهم من الاستثناءات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية ذات الطابع الأمني اذ يمكن ان تكون لاحقا مدخلا لتصنيف بعض التونسيين في قائمات ارهابين. مطابقة للمعايير مهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان قال خلال تقديم مشروع قانون حماية المعطيات الشخصية أمام نواب اللجنة، إن تونس كانت سباقة في تقنين حماية المعطيات الشخصية سنة 2002 وسباقة في دسترتها سنة 2014، وهي بالمصادقة على القانون الجديد ستكون البلد الوحيد خارج الفضاء الأوروبي الذي يصدر قانونا يحترم المعايير المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية، سيما وأن الاتحاد الاوروبي هو الشريك الاقتصادي الاول لتونس. وأضاف أنه كان لا بد من سن قانون جديد حتى يكون مطابقا للاتفاقية رقم 108 للمجلس الأوروبي المتعلقة بحماية الاشخاص تجاه المعالجة الالية للمعطيات الشخصية والى بروتوكولها الاضافي رقم 181 الخاص بسلطات المراقبة وانسياب وتدفق المعطيات عبر الحدود. وذكر الوزير نواب اللجنة ان تونس انضمت الى الاتفاقية 108 وأن مجلس نواب الشعب صادق بالإجماع على القانون المتعلق بها، وهو القانون عدد 42 لسنة 2017. وبين انه لا بد من ان تكون تونس مواكبة للتطور التشريعي الذي سيشهده الفضاء الاوروبي بداية من الخامس والعشرين من ماي القادم. وطمأن بن غربية نواب اللجنة ان المشروع المعروض عليهم تمت صياغته في اطار مقاربة تشاركية، لكن كانت هناك اكراهات تتعلق بالأمن والدفاع وبسببها كانت هناك اعتراضات عليه من قبل بعض الوزارات. وأضاف ان وزارته حاولت الوصول الى توافق حول المشروع لكن المؤسسة الامنية ابدت بعض التحفظات، وقال :» لقد عملنا من جهتنا على ان يكون القانون فيه روح الدستور والدولة العادلة التي تحمي المعطيات الشخصية وتجعل تونس معترف بها من قبل البرلمان الاوروبي على اساس انها تحترم المعطيات الشخصية». وأقر مشروع القانون الوارد في ستة ابواب على حد تأكيد بن غربية جملة من حقوق الشخص المعني بمعالجة معطياته الشخصية وفسر أن فيه تنصيصا على جملة من الواجبات، فهو يضمن الحق في الاعلام بمعالجة المعطيات الشخصية والحق في الموافقة الصريحة على المعالجة والحق في التحيين والحق في الاعتراض والحق في النفاذ المباشر للمعطيات الشخصية والنفاذ غير المباشر وحق النسيان وحق الغاء معطيات شخصية. وفي المقابل هناك على حد قوله واجبات محمولة على المسؤول على المعالجة، وتم في هذا الصدد تضييق مجال الترخيص في النفاذ لمعطيات شخصية في حالات استثنائية، وتكريس التصريح كمبدأ عام كما تم التنصيص على تعيين مكتب مكلف بحماية المعطيات الشخصية وبالسهر على سرية وامان المعطيات الشخصية، وتم التنصيص على القيام دوريا بدارسة مخاطر المعالجة والتدقيق في السلامة المعلوماتية واعلام هيئة حماية المعطيات الشخصية والاشخاص المعنيين. واضاف الوزير أن مشروع القانون بسط الاجراءات لدى هيئة المعطيات الشخصية ومتع هذه الهيئة بالاستقلالية الادارية والمالية وبالرقابة وإبداء الرأي والبحث والتقصي والعقاب. وتم الخيار على ان تكون هيئة المعطيات الشخصية هيئة مصغرة تتركب من ثلاثة أعضاء وجهاز اداري ويتكون مجلسها من رئيس وعضوين يكون بينهم وجوبا قاض اداري. وبالنسبة للعقوبات فهي على حد تأكيد بن غربية أقل بكثير مما هو موجود في القوانين الأوروبية، وهناك في مشروع القانون عقوبات هي مرجع نظر هيئة حماية المعطيات الشخصية وتتمثل في خطايا مالية، وعقوبات اخرى هي مرجع نظر المحاكم الجزائية من خطايا مالية وعقوبات بالسجن. وخلص مهدي بن غربية الى أن وزارته حريصة على أن تقع المصادقة من قبل مجلس نواب الشعب على مشروع القانون قبل الخامس والعشرين من ماي الجاري، وأكد أنه ليس لأن هذا التاريخ متربط بقائمة سوداء كما قال البعض بل لكي تكون تونس أول بلد خارج الفضاء الاوروبي يضع قانونا يستجيب للمعايير. وتعقيبا عن ملاحظات نواب اللجنة فسر الوزير أن الانترنيت والتكنولوجيات الحديثة جعلت المعطيات الشخصية لمليارات من البشر متاحة وغير محمية بما يتيح امكانية استغلالها تجاريا لذلك كان الحرص على توفير ضمانات كافية لحمايتها. وعن سؤال يتعلق بمدى جاهزية مختلف الوزارات لتطبيق القانون الجديد، أجاب وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان ان القانون سيدخل حيز النفاذ ستة اشهر بعد تاريخ صدوره، وبمقتضاه سيتم الزام الوزارات بتطبيقه وأقر أن الادارة التونسية غير جاهزة حاليا لهذا القانون لكن حان الوقت لسنه وسيدفعها صدوره الى بذل الجهود لتطبيقه حتى تتجنب الخطايا التي يمكن ان تسلط عليها في صورة عدم احترامها لمقتضياته، وخلص بن غربية قائلا :»لا يوجد أمام تونس أي خيار غير اصدار القانون الجديد».. حقيقة القائمة السوداء رئيس هيئة حماية المعطيات الشخصية شوقي قداس قال ان مشروع القانون كان من مشاغل الهيئة منذ اصدار اللائحة الاوروبية سنة الفين وستة عشر وهي لائحة جعلت المعايير الاوروبية تتطور بشكل كبير. كما ان الاممالمتحدة اهتمت منذ سنة الفين وخمسة عشر بحماية المعطيات الشخصية وعينت مقررا خاصا مكلفا بالحياة الخاصة وبتنظيم مؤتمر دولي حول حماية المعطيات الشخصية. وفسر قداس أن القانون الاوروبي يمنع على الاوربيين تحويل معطيات لدول اخرى ليس لها نفس مستوى حماية المعطيات الشخصية الموجود في الفضاء الاوروبي لذلك على تونس تطوير تشريعاتها لتضمن تواصل التعامل الاقتصادي مع بلدان الفضاء الاوروبي. واقر قداس انه عندما خرج للإعلام محذرا من امكانية وضع تونس في قائمة سوداء فعل بدافع الرغبة في تنبيه الراي العام الى الخطر المحدق بالاقتصاد الوطني في صورة عدم تمرير مشروع القانون قبل الخامس والعشرين من ماي، وطمأن النواب انه لا توجد قائمة سوداء.