فشل الترفيع المستمر للبنك المركزي في نسبة الفائدة الرئيسية في التخفيض من نسبة التضخم والتحكم في مؤشر الأسعار الذي يشهد نسقا تصاعديا مخيفا منذ نهاية ديسمبر الماضي تراوح بين 6 و7.6 بالمائة إلى حدود نهاية مارس الماضي لم تشهده تونس منذ خمسة عقود تقريبا انعكس سلبا على القدرة الشرائية للمستهلك التونسي خاصة من الفئات ضعيفة الدخل والتي يبدو أنها ستدفع ثمن تواصل الأزمة وانفلات الأسعار خلال المدة القادمة.. وحسب مؤشرات واقعية وموضوعية عديدة منها واقع التضخم الحالي وارتفاع الأسعار، والارتفاع المتواصل في معدل الفائدة في السوق النقدية الذي تخطى نسبة 6.68 بالمائة وقد يصل إلى 7 بالمائة خلال الأسابيع القادمة.. ووفق تقديرات عديد الخبراء، فإن البنك المركزي التونسي قد يجد نفسه مضطرا إلى الترفيع في نسبة الفائدة مرة أخرى في أقل من شهرين في محاولة متجددة للتحكم في نسبة التضخم المنفلتة والتي تأبى الانخفاض.. ومن شأن الترفيع مجددا في نسبة الفائدة النقدية الترفيع في نسبة الفائدة الموظفة على القروض بشتى أنواعها فضلا عن الترفيع الآلي في نسبة المبالغ المقتطعة لخلاص القروض الجارية وبالتالي التأثير سلبا على القدرة الشرائية للمستهلك الذي يعتمد بشكل أساسي على القروض الاستهلاكيّة.. ويفسر الخبير المحاسب وعضو هيئة الخبراء المحاسبين أنيس الوهابي أن إمكانية لجوء البنك المركزي إلى الرفع من نسبة الفائدة المديرية في وقت قريب بسبب عدم وجود مؤشرات على انخفاض نسبة التخضم التي ما تزال تتجه نحو الصعود، موضحا ان نسبة الفائدة عموما يجب ان لا تقل عن نسبة التضخم وفقا لسياسية صندوق النقد الدولي، كما أن معدل نسبة الفائدة في السوق النقدية اقترب كثيرا من الحد الذي رسمه البنك المركزي لمعدل نسبة الفائدة.. ويأتي تواصل المؤشرات الحمراء في مجال السوق المالية والنقدية بفعل الأزمة المحتدة الناجمة عن انعكاسات الضغوط الجبائية المقررة في قانون المالية لسنة 2018 على ارتفاع جل أسعار المواد الغذائية والصناعية والخدمات والعقارات وتغول السوق الموازية وتحكم أباطرة المسالك الموازية في السوق الاستهلاكية خاصة للمواد الغذائية، فضلا عن تواصل انخفاض الدينار مقابل العملات الرئيسية وخاصة مقابل الأورو، إذ شهد يوم أمس ولأول مرة صرف الأورو بثلاثة دنانير رغم أن سعر الصرف كان مستقرا في حدود 2.99، وذلك رغم محاولات الحكومة لوقف التدهور الاقتصادي للبلاد.. ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات وتفاقمت نسبة التضخم عند الاستهلاك في شهر مارس 2018 لتصل إلى حدود 7.6 بالمائة مقابل 7.1 خلال شهر فيفري و6.9 بالمائة في جانفي 2018. وأرجع المعهد الوطني للإحصاء هذا الارتفاع إلى تسارع ارتفاع أسعار المواد الغذائية (7ر8 بالمائة مقابل 7ر7 بالمائة) وأسعار الملابس والأحذية (8 بالمائة مقابل 9ر6 بالمائة). وارتفعت وتيرة أسعار المواد الغذائية من 7ر7 بالمائة في فيفري إلى 8 بالمائة شهر مارس، وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار الغلال ب4ر23 بالمائة وأسعار الزيوت الغذائية ب7ر13 بالمائة وأسعار الأسماك ب4ر10 بالمائة وأسعار اللحوم ب7ر9 بالمائة. كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية غير الطازجة ب7 بالمائة. وشملت ارتفاع الأسعار النقل ب10 بالمائة بسبب ارتفاع أسعار السيارات ب6ر16 بالمائة ومواد استعمال السيارات وقطع الغيار ب10 بالمائة، كما شهدت أسعار السكن والطاقة ارتفاعا ب4ر4 بالمائة نتيجة ارتفاع أسعار خدمات الإيجار ب5ر4 بالمائة وأسعار مواد صيانة المسكن ومواد البناء ب3ر15 بالمائة.. تعديل للمرّة السادسة تدخل البنك المركزي عديد المرات لكبح جماح التضخم، آخرها كان في مارس الماضي حين أعلن عن ترفيع نسبة الفائدة الرئيسية ب0.75 بالمائة لتبلغ 5.75 بالمائة، وبرر قراره بسعيه للتحكم في التضخم الذي له تداعيات مباشرة على القدرة الشرائية للمستهلك. وقال البنك المركزي في مذكرة توضيحية أنه بادر منذ 2011 بانتهاج سياسة نقدية استباقية هدفها توقّع التضخّم، حيث ساهم الترفيع في نسبة الفائدة المديرية للبنك المركزي، في أربع مناسبات، بين 2012 و2014 بقدر كبير في الرجوع بنسبة التضخّم من 5,8 % في المعدل خلال 2013 إلى 3,7% في 2016. كما أنّه كان قد استبق هذا التراجع الأخير في التضخم، وبادر بالتخفيض في نسبة الفائدة المديرية أواخر 2015، بهدف معاضدة النمو الاقتصادي. وبيّن البنك المركزي أنّ نسبة التضخّم الأساسي (دون المواد الغذائية الطازجة والمواد المؤطرة) بلغت 7,7% في فيفري 2018، ومن المنتظر أن تواصل مسارها التصاعدي خلال الفترة المقبلة، متأثرة بعوامل تضخمية من بينها الضغوط التصاعدية المسلطة على أسعار أهمّ المواد الأساسية والطاقة في الأسواق العالمية والضغوط المتواصلة على العجز الخارجي، الأثر على الطلب الداخلي الناتج عن ارتفاع الأجور، وتداعيات الإجراءات المتخذة ضمن قانون المالية لسنة 2018 والمتعلقة بالترفيع ب1% في نسب الأداء على القيمة المضافة، وعلى الرسوم الجمركية الموظفة على العديد من المواد وعلى معاليم الاستهلاك. ويهدف الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسيّة إلى التخفيض من نسق الاستهلاك وامتصاص السيولة في الدورة الاقتصاديّة بغية الحدّ من ارتفاع نسبة التضخّم. وتعرف نسبة الفائدة الرئيسية في معجم المفاهيم المالية والاقتصادية العالمية بالفائدة التي تدفعها البنوك للبنك المركزي لتحصل على السيولة وتمنحها في شكل قروض. ويعد هذا السعر مؤشرا لأسعار الفائدة لدى البنوك التجارية التي ينبغي ألا تقل عن سعر البنك المركزي، كما يساعد سعر الفائدة البنك المركزي في التحكم في عرض النقد في التداول من خلال تغيير هذا السعر صعودا ونزولا. يذكر أنّ صندوق النقد الدولي عبر مؤخرا في بيان له أنه يتفق مع البنك المركزي في تثبيت توقعات التضخم من خلال زيادات إضافية في سعر الفائدة الأساسي الذي سيصبح ضروريا إذا لم ينخفض التضخم بسرعة. رفيق