ما كان يجب انتظار اشتعال النيران في حافلة وسط العاصمة لكي يتكرر تقييم وضع النقل الحضري عموما في تونس الكبرى، وحتى إن لم يسفر «الحادث» عن ضحايا فإنه قد يكون آخر نواقيس الخطر بخصوص حال يزداد أسطوله اهتراء وخدماته تراجعا فيما يزداد المواطنون عملة وموظفين أو تلاميذ وطلبة تعايشا مع المعاناة اليومية. هذا التعايش ليس سوى نتيجة لجملة من الإخلالات المتراكمة منذ عقود طويلة بل إن جيلين كانا شاهدين على غرق النقل الحضري تدريجيا في أزمة لم يفلح في الحد منها لا المترو الخفيف ولا شركات النقل الحضري الخاصة، ينما نشهد توسعا عمرانيا وزيادة في عدد سكان تونس الكبرى دون أن تقابلهما، عمليا، مواكبة تتماشى مع تلك التحولات هذا دون الحديث عن جودة الخدمات. ومن المفارقات أنه بعد سنوات من الثورة لم يطرأ تحسن على القطاع وكأن قدر سكان تونس الكبرى ديمومة المعاناة اليومية وأحيانا في ظروف مناخية صعبة صيفا أو شتاء ناهيك عن الوقت الضائع بتأثيراته على أداء العملة والموظفين. صحيح أن النقل الحضري يُعدّ من أكثر القطاعات عرضة للانتقاد منذ سنوات لكن رغم الجهود التي يقول مسؤولو القطاع أنها تبذل سواء فيما يتعلق بتجديد أسطول الحافلات أو توسيع الخدمات وتحسينها فإن الخسائر في ازدياد إما بسبب ظاهرة «الترسكية» أو تجميد التعريفة منذ 2003 . ولأن الحديث عن نقل حضري شبيه بما هو كائن في العواصم الأوروبية يُعدّ من قبيل الخيال في الظروف الراهنة بتونس ستبقى المعاناة اليومية لمستعملي النقل العمومي ربما لأجيال أخرى ما دام القطاع لا يحظى باهتمام في حجم المطلوب منه خاصة أنه يفترض أن تكون أحد حلول الحد من الاكتظاظ المروري من خلال تحسين جودة الخدمات في الحافلات والمترو الخفيف. لقد تعاقب على وزارة النقل خلال السنوات السبع الماضية العديد من الوزراء والمسؤولين دون نتائج ملموسة من شأنها جعل المسافرين يلحظون بعض الجودة في الخدمات بينما يتباطأ تنفيذ الشبكة الحديدية السريعة بتونس الكبرى وتستمر الأوضاع على ما هي عليه تحت عنوان الاكتظاظ في وسائل النقل وسوء الخدمات إلى حد لا يتورع بعض سائقي الحافلات من «إلغاء» سفرة أو الانطلاق بالحافلة قبل وقتها المحدد.