ان الحكمة الالهية تتجلى في جعل الله تعالى العبادات متنوعة ليتمحص القبول والرضى بدليل قوله تعالى: " وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» (آل عمران آية 141) فمن الناس من يرضى بنوع من العبادات ويلتزم به ويفرط في غيره ، فجعل الله من العبادات ما يتعلق بعمل البدن كالصلاة، أو منها ما يتعلق ببذل المال المحبوب الى النفس كالزكاة، ومنها ما يتعلق بعمل البدن وبذل المال جميعا كالحج، ومنها ما يتعلق بكف النفس عن رغباتها ومشتهياتها كالصيام. فالقائم بكل هذه العبادات المتنوعة برضى وامتثال بشريعة الله كان على كامل عبوديته، وتمام انقياده ومحبته لربه. وللصيام حكم كثيرة منها انه عبادة يتقرب الانسان فيها الى ربه بترك رغباته ومشتهياته فيظهر صدق ايمانه، فالانسان لا يترك رغباته الا لمن هو اعظم منه فترك شهواته المشوقة لارضاء الله، وانه سبب التقوى بدليل قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(البقرة آية 182) فالصائم مأمور بفعل الطاعات واجتناب المعاصي. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري. فإذا تلبس الصائم بالصيام فانه كلما هم بمعصية تذكر أنه صائم فامتنع عنها لذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام الصائم أن يقول لمن سابه او شاتمه اني امرؤ صائم، تنبيها على أن الصائم مأمور بالامساك عن السب والشتم وتذكيرا لنفسه بأنه متلبس بالصيام، فيمتنع عن المقابلة بالسب والشتم وبفضله يتخلى القلب للفكر والذكر لان تناول الشهوات يستوجب الغفلة، وربما يقسي القلب ويعمي عن الحق ولذلك أرشدنا الرسول عليه الصلاة والسلام الى التخفيف من الطعام والشراب «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» رواه احمد والنسائي وابن ماجة. فالناس اذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق واذا شبعت عمى القلب، ومن محاسنه أن الغني يعرف به قدر نعمة الله عليه بالغني حيث انعم الله عليه بالطيبات، وقد حرمها عدد من الخلق فيحمد الله بذلك اخاه الفقير الذي ربما يبيت طاويا جائعا فيجود عليه بالصدقة ، يكسو بها عورته، ويسد بها جوعته فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم» روي عن انس ومن حكم الصيام التمرن على ضبط النفس والسيطرة عليها والقوة على الامساك بزمامها حتى يتمكن الانسان من التحكم فيها، ويقودها الى ما فيه خيرها وسعادتها، فإن النفس امارة بالسوء الا ما رحم ربي، فاذا اطلق المرء لنفسه عنانها اوقعته في المهالك، واذا ملك امرها وسيطر عليها تمكن من قيادتها الى اعلى المراتب واسنى المطالب. ومن منافعه الصحية ما يحصل بتقليل الطعام واراحة جهاز الهضم لمدة معينة وترسب بعض الرطوبات والفضلات الضارة بالجسم. الى جانب فضائل الصوم فأجر الصائم يعطى بغير حساب اذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:»كل عمل ابن آدم له الا الصوم فأنه لي وأنا أجزي به». فالله اختص لنفسه الصوم من بين سائر الاعمال لشرفه عنده، ومحبته له وظهور الاخلاص له فهو سر بين العبد وربه، لا يطلع عليه الا الله. بنيت هذه العبادة على التيسير والرحمة كغيرها وعلى الاتقان والحكمة، أوجبها الله على كل من تتوفر فيه سلامة الصحة والطاقة على القيام بالصوم واعفى العاجز لسقوط التكليف «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ»(البقرة آية 285) انما يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينا لان الله جعل الاطعام معادلا للصيام حين كان التخيير بينهما اول ما فرض الصيام فتعين ان يكون بدلا عن الصيام عند العجز عنه لانه معادل له ومن كان من هذا الصنف فعليه ان يتصدق لمواساة المحتاجين. اما من طرأ على صحتهم مرض أو حصلت لهم حالة توجب الافطار فليؤخروا الصوم الى أوقات اخرى يكونون قادرين عليه. قال تعالى : «وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»(النساء آية 29) كذلك «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (البقرة آية 124). وعلى من كان ضعيف الصحة عليه ان يستشير الطبيب عن صحته. فالاسلام دين يسر «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا « (الشرح آية 6) واحذروا الاسراف والتبذير «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»(الاعراف آية 31) «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً»(الاسراء آية 27). اقترن شهر رمضان بصلاة التراويح، هي سنّة مؤكدة عند البعض واعتبرها المالكية مندوبة وتسن فيها الجماعة، ويجوز الانفراد، روي عن ابي هريرة «كان رسول الله يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» وروى البخاري ومسلم «أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل من رمضان وهي ثلاث متفرقة: ليلة الثالث، والخامس والسابع والعشرين، وصلى في المسجد وصلى الناس بصلاته فيها وكان يصلي بهم ثماني ركعات ويكملون باقيها في بيوتهم». ومن اجتهادات العلماء بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان عددها عشرون، ووافقه الصحابة وزيد في عهد عمر بن عبد الله الى ست وثلاثين ركعة، والقصد لمساواة اهل مكة في الفضل لانهم كانوا يطوفون بالبيت بدل كل أربع ركعات مرة فرأى ان يصلى بدل كل طواف أربع ركعات، وهذا دليل على اجتهاد العلماء.