تلعب منظومة التوجيه في كل المنظومات التربوية دورا جوهريا بل مفصليا في مساعدة الناشئة على بناء مستقبلهم الدراسي والمهني البناء الذي ينسجم مع قدراتهم واهتماماتهم وميولاتهم ومستواهم الدراسي . من هذا المنطلق من المستحيل الاستجابة لانتظارات العائلات التونسية من الاصلاح التربوي المرتقب إذا لم يتم إيلاء منظومة التوجيه المدرسي والجامعي والمهني والمشرفين عليها المكانة الاستراتيجية التي يستحقون . ملامح الواقع تحتاج منظومة التوجيه التونسية إلى عدة مراجعات وإصلاحات خاصة وأنه مضى على آخر إصلاح تم في هذا المجال حوالي 14 سنة . لذلك أصدرت الجمعية التونسية للاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي والمهني تقريرا ضافيا ومهما تحت عنوان « التقرير الوطني لتقييم منظومات الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي والمهني « وسنتناول هنا أهم ما جاء في هذا التقرير الذي تعرض إلى واقع التوجيه بأنواعه الثلاثة والهنات التي يعيشها في الواقع الحالي وخلص إلى تقديم مجموعة من المقترحات المهمة لاصلاح منظومات التوجيه تلك . فبخصوص التوجيه المدرسي أشار التقرير إلى أنه لا يستجيب لتنوع ملامح التلاميذ من حيث محدودية الاختيارات واختلال التوازن بين الشعب والجهات إضافة إلى النقص في إطار المستشارين في التوجيه وضعف البحث العلمي في المجال . أما بخصوص التوجيه الجامعي فقد أشار التقرير إلى إشكالية تواجد أغلب الشعب الجامعية المرموقة في تونس الكبرى وصفاقس وسوسة والمنستير وإلى عدم الربط بين الشعب الجامعية والتشغيلية وإلى تحديد طاقة استيعاب الشعب بصورة اعتباطية إضافة إلى تراجع تفعيل المواد الاختيارية في التوجيه الجامعي وغلق منفذ إعادة التوجيه أمام المواهب والمهارات في الشعب الخصوصية وغياب أدلة التكوين لعدة اختصاصات وأخيرا غياب التنسيق في مجال التوجيه مع وزارة التربية . وبالنسبة للتوجيه المهني لاحظ التقرير أنه هامشي وظرفي ويفتقر للمعلومة المحينة والدقيقة بخصوص سوق الشغل وأنه يشكو من عدم التوازن في التحاق المتكونين بالقطاعات التكوينية كما أن هناك اهتمام بالحاصلين على البكالوريا لكن ليس هناك اهتمام بمن لم ينجحوا واعتبار التكوين المهني مجرد ملاذ وليس مرفقا تكوينيا أساسيا إضافة إلى غياب مقاربة منظومية شاملة لخطة المكلف بالاعلام والتوجيه والمرافقة في التكوين المهني وكذلك غياب الأنشطة الثقافية والترفيهية في مراكز التكوين المهني . الحلول والمقترحات ولدفع تلك المنظومات قدم التقرير مجموعة من المقترحات المفيدة . فبخصوص التوجيه المدرسي دعا إلى تطوير القوانين المنظّمة لعمليّة التوجيه، وتكريس مقاربة التربية على الاختيار ،وتخصيص حصّة أسبوعية ضمن جدول أوقات التلميذ للإعلام والتوجيه ورصد ميولاته ومهاراته ومؤهلاته ومراجعة خارطة المسالك والشّعب كالآداب والتقنية وعلوم الاعلامية والاقتصاد والخدمات وكذلك مراجعة مراحل التوجيه . كما اقترح ضرورة وضع سياسة تربوية واضحة تربط بين مخرجات المدرسة ومتطلبات سوق الشغل وإيجاد التوازن الضروري بين مختلف الجهات على مستوى فرص التوجيه والتكوين مع تنويع المواد الاختيارية في علاقة باكتشاف المهن وانفتاح المدرسة على المحيط وفي علاقة بشعب التعليم العالي. وإرساء معابر بين مختلف المسالك والشعب في التعليم الثانوي كما حث التقرير على ضرورة تثمين التعليم التقني. أما بخصوص التوجيه الجامعي فيقترح التقرير إلغاء التنفيل الجغرافي وإعادة الاعتبار للمركز الوطني للتوجيه الجامعي وإعادة النظر في نسب توزيع مختلف أنواع البكالوريا على اختصاصات التعليم العالي وربطها بمنظومة المواد الاختيارية ومراعاة الميولات الفردية للطالب الجديد ورغباته ودافعيته وتوفير التمييز الايجابي لفائدة بعض الجهات الداخلية لتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة بين التونسيين والتونسيات . وبخصوص التكوين المهني يقترح التقرير تجميع الهياكل المعنية بالتوجيه في التربية والتعليم العالي والتكوين المهني وبعث المعابر الضرورية بين مختلف مجالات التكوين لتثمين التكوين المهني مع ضرورة رسملة التجارب الناجحة في القطاع والتفاعل مع النسق السريع لتطور المهن وإعادة النظر في مقاربات التكوين ومضامينه وتثمين قيمة العمل . وفي الاطار العام دعا التقرير إلى بعث مركز وطني ومراكز جهوية للموارد في الإعلام والتوجيه إضافة إلى هيكل موحد للتوجيه المدرسي والجامعي والمهني وإطلاق حوار وطني واسع حول منظومة التوجيه لتوحيد المجهودات والأهداف المساعدة على نجاح منظومة التوجيه وتوحيد الرؤى في مجال الاصلاح قصد الوصول لتحقيق الانسجام بين المنظومات الثلاثة .