أثرت عديد المؤشرات على جيب المواطن في رمضان هذا العام مقارنة برمضان السنة الماضية. تراجع قيمة الدينار، تواصل ارتفاع نسبة التضخم أدت إلى تزايد تراجع المقدرة الشرائية لدى التونسيين. كل ذلك يجعل من المنطقي التساؤل إن كان الاستهلاك التونسي سيتراجع في رمضان هذا العام أم أن طوابير الانتظار أمام المحلات التجارية الكبرى والمخابز ومحلات الأغذية بمختلف أنواعها والتي رصدنا استمرارها في أول أيام رمضان هذا العام تؤشر على أن معدلات الاستهلاك ستبقى على حالها وتتزايد كعادتها في الشهر الفضيل. «الاستهلاك في تونس أصبح استهلاكا تصعيديا لمواجهة الضغوطات النفسية أو «الستراس» « هكذا يوضح مدير معهد الاستهلاك طارق بن جازية في تصريح ل»الصباح الأسبوعي.» فالتونسي يواصل التصعيد في نسق استهلاكه بالرغم من تراجع المقدرة الشرائية وهو يستهلك للتعامل مع وضعه. ويؤكد هنا بن جازية أنه في وقت شهدت فيه المقدرة الشرائية تراجعا لم يشهد الاستهلاك نفس التراجع. فقد واصل الاستهلاك نموه بالأسعار الجارية وبلغ سنويا في السنوات الأخيرة ما بين 8% و9% ولذا بقيت مساهمته مرتفعة في نسبة النمو. وللتعويض عن تراجع المقدرة الشرائية واستمرارية ارتفاع الاستهلاك يلجأ التونسي إلى مصادر إضافية كما يوضح بن جازية، فارتفعت نسبة التداين وقائم القروض بنسبة 110 % من ديسمبر 2010 إلى ديسمبر 2017 كما تراجع الادخار من 11.6% سنة 2010 إلى 6% سنة 2016. مجتمع استهلاكي وهنا يفسر مختص في علم الاجتماع تحدث ل»الصباح الأسبوعي» أننا في مجتمع استهلاكي تكون فيه عملية الاستهلاك تنافسية فالناس يقارنون بعضهم البعض ويسعون أن يكون مستواهم أفضل من غيرهم. كما يضيف أن المحلات التجارية الكبرى قد أدت إلى ارتفاع الاستهلاك ليس لأنها تتيح خيارات أكبر فقط ولكن لأنها تكرس منطق الفردانية على غير «العطار» الذي عادة ما يطلب منه الحريف الحصول على منتوجات بعينها، ففي حالة المحلات التجارية يتجول الحريف في أروقتها ويختار هو ما يريد شراءه. وهذا ما يجعله حرا أكثر وأكثر استقلالية ويدفعه إلى الاقتناء أكثر ويملأ عربة المشتريات أمام الآخرين وهذا يختزل الثقافة الفردانية. تغلب المنطق الرمزي الثقافي وإن كان الاستهلاك لدى التونسي قد واصل نموه بالرغم من تراجع المقدرة الشرائية فهو في رمضان يتزايد مقارنة ببقية أشهر السنة. مدير معهد الاستهلاك يوضح أن هنالك أنماطا استهلاكية متعددة يعيشها التونسي من بينها المستهلكون الذين يريدون أن يحافظوا على نفس نمط الاستهلاك إضافة إلى المستهلك «البركاوي» الذي يعتمد مبدأ «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» كما أن التونسي لا يحب أن يحرم نفسه من شيء. وفي رمضان بالخصوص يرتفع استهلاك جملة من المنتوجات مثل التن الذي يرتفع استهلاكه بنسبة 111% والدقلة ب114% والخبز الذي تتعدد أصنافه في رمضان ب52% وغيرها من المنتوجات الأخرى. فمختلف المنتوجات التي تتشكل منها المائدة التونسية في رمضان تسجل ارتفاعا في استهلاكها بشكل كبير. ويقودنا ذلك بالضرورة إلى الحديث عن ظاهرة التبذير ويوضح بن جازية أن ثلث ما يطبخ في رمضان مصيره سلة المهملات. وقد أوضح مختص في علم الاجتماع تحدث ل»الصباح الأسبوعي» أن ارتفاع الاستهلاك في شهر رمضان بالذات لا يجب أن يثير الاستغراب لأن المنطق وراء ذلك هو منطق رمزي. وارتفاع الاستهلاك يرتبط بمختلف المناسبات الدينية وليس برمضان فقط، فكل الأحداث الدينية حول العالم وفي مختلف الديانات يتزايد فيها الاستهلاك. وعند تعارض هذه الرمزية الثقافية والدينية مع ظروف اقتصادية صعبة، عادة ما يفوز المنطق الرمزي فنجد أنه حتى بالنسبة إلى صاحب الإمكانات المحدودة تكون طاولة رمضان مختلفة عن الطاولة في الأيام العادية. فعندما يتعلق الأمر بالمناسبات الدينية يتغلب المنطق الرمزي الثقافي على المنطق الحسابي الاقتصادي.