ثلاث ساعات هي المدة الزمنية المفترضة لاجتماع اليوم الذي يحتضنه قصر الاليزيه حول الازمة في ليبيا بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وتحت مظلة الاممالمتحدة، وهي الاشارة التي أصر المضيف على تضمينها بيان اعلان هذا الاجتماع الدولي ولا نخال ذلك من دون حسابات مسبقة. بل لعل الرئيس الفرنسي اختار بذلك توجيه رسائل واضحة للأطراف المعنية بالأزمة الليبية وأولها قيمة الوقت في حياة الشعوب والامم وأهمية الرهان على الخروج من اللقاء بخارطة طريق لإخراج ليبيا من النفق الدموي الذي تغرق فيه منذ سبع سنوات، حتى لا تكون محادثات اليوم موعدا متجددا مع الوقت الضائع والفرص المهدورة وتهدف بالتالي الى تهيئة المناخ للانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية قبل نهاية العام 2018... طبعا، لا أحد ينكر أن ليبيا باتت تثير مخاوف المجتمع الدولي وتحديدا الدول الاوروبية التي لم تتوقع عندما تدخلت لإسقاط النظام ان يتحول هذا البلد الشاسع الى مرتع للجماعات الارهابية، وهي مخاوف مرتبطة خاصة بمصالح تلك الدول لا سيما دول شمال المتوسط التي تحاول التخلص من قوارب المهاجرين التي تزحف اليها وحماية سواحلها من الارهابيين وتجار السلاح والمخدرات وتجار البشر الذين يسعون للعبور اليها انطلاقا من ليبيا، تماما كما أنه لا أحد يمكن أن ينكر حسابات ومطامع الغرب أيضا في الفوز بصفقات الاعمار والتنقيب عن الغاز والنفط بعد انتهاء الازمة الليبية وهي كلها حقائق معلومة ولسنا نكشف سرا اذا اعتبرنا أنها المحرك الاساسي للدول المعنية التي تبحث لها عن موطئ قدم في ليبيا. تجاوز إرث ساركوزي بعد عام على اللقاء الاول الذي جمع خلاله ماكرون في جويلية الماضي في لاسيل سان كلو كل من رئيس حكومة الوحدة الوطنية فائز السراج والجنرال خليفة حفتر، لا شيء تغير في المشهد الليبي الذي تحكمه الفوضى مع تفاقم هيمنة المجموعات المسلحة والشبكات الارهابية التي وجدت لها في هذا البلد ملجأ بعد دحرها في سوريا وفي العراق.. ولا شك ايضا أن ماكرون الذي ما انفك يبدي اهتمامه بالمشهد الليبي مدعو لتجاوز إرث الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي وفضيحة الاموال الليبية التي استغلها في دعم حملته الانتخابية والتي تحولت الى لعنة ستلاحقه، ولكن أيضا ستلاحق فرنسا على دورها في تدمير ليبيا، وربما سيتعين على ماكرون الاعتراف بأن لبلاده دينا ازاء الليبيين وانه سيتعين عليه الوفاء به وتصحيح ما يستوجب التصحيح من اخطاء استراتيجية مدمرة لا يزال الليبيون يدفعون ثمنها على حساب امنهم ووحدتهم واستقرارهم.. تعقيدات وتحديات المشهد تنظيميا، اختار ماكرون تجنبا للانتقادات التي رافقت لقاء العام الماضي والاتهامات له بمحاولة التفرد بحل الازمة الليبية، حيث يبدو حريصا هذه المرة على جمع مختلف الفرقاء حول طاولة واحدة وبينهم فائز السراج رئيس حكومة الوفاق وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر الذي يهيمن على الشرق وعقيلة صالح رئيس البرلمان وخالد المشري رئيس مجلس الدولة ولكن أيضا بحضور 19 بلدا بينها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن ودول الجوار المعنية باتفاق الصخيرات... ولكن خلف الجانب التنظيمي لا شيء يبدو محسوما بالنظر الى تعقيدات ومخاطر المشهد الليبي الذي يظل أقرب الى برميل بارود مرشح للانفجار في كل حين في ظل الفوضى الهدامة التي تجرف هذا البلد الذي يعيش تداعيات أكثر من سيناريو في الوقت ذاته بين الحرب الاهلية والحروب بالوكالة التي تعيش على وقعها ليبيا ... بل لعل في عودة التفجيرات الارهابية الى هذا البلد في بنغازي قبل أسبوع واحد من لقاء باريس ما يذكر المجتمعين بحجم التحديات في هذا البلد الذي بات جغرافيا مقسما بين الاطراف المتناحرة حتى وان ظل كل طرف منها ينفي هذا الانقسام ويصر على أن وحدة ليبيا الترابية خط احمر، وهو ما يتنزل في إطار الخطابات والتصريحات المستهلكة التي لا يمكنها اخفاء الواقع المر... تنظيم الانتخابات.. هل يكون الحل؟ ولا شك أن ما أعلنه المبعوث الاممي غسان سلامة الى ليبيا من التخلي عن تعديل اتفاق الصخيرات الموقع في 2015 والتوجه بدلا من ذلك الى اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام ما يعكس ضمنيا فشل الجهود الدولية في ليبيا. ذلك أن التوجه الى تنظيم الانتخابات في ظل المشهد الراهن قد لا يعني حل الازمة بل ربما يساهم في تعقيدها باعتبار أن تنظيم الانتخابات دون تهيئة المناخ المناسب ودون توفر أدنى الشروط المطلوبة للأمن والاستقرار قد يجعل العملية الانتخابية فارغة من كل هدف ... تماما كما أن النقاط ال13 التي تضمنتها خارطة الطريق والتي تدعو للتوحيد الفوري للبنك المركزي والالتزام بدعم تشكيل جيش وطني والموافقة على عقد مؤتمر سياسي شامل خلال ثلاثة أشهر، قد تؤول الى ما آلت اليه المبادرات السابقة طالما ظلت الاطراف الليبية المعنية بالدرجة الاولى بإنقاذ المشهد على ما هي عليه من تشكيك ورفض وتخوين لبعضها البعض. ومهما صدقت نوايا الاطراف الخارجية ازاء الازمة الليبية فاإه بدون وعي الاطراف الليبية بخطورة المرحلة فإن كل الجهود الخارجية ستظل مبتورة... بعض التسريبات تشير الى لقاء جمع حفتر بعقيلة صالح بوساطة مصرية اماراتية وأخرى عن احتمال لقاء بين السراج وحفتر العائد الى ليبيا بعد الازمة الصحية التي مر بها وما رافقها من تشكيك بشأن وضعه الصحي بما يعني أن هناك تململا في المشهد الليبي، ولكنه لم يرق بعد الى الصدمة التي يمكن أن تعيد تنظيم الصفوف ووضع حد للانهيار المستمر في ليبيا، والذي لم يعد يهدد أمن واستقرار ليبيا فحسب، ولكن ايضا أمن واستقرار دول الجوار التي لا يمكن أن تشعر بالارتياح لموجة التفجيرات الارهابية التي عادت الى هذا البلد ...