تمر منظومة اللحوم الحمراء بفترة صعبة إذ تعرف الأسعار ارتفاعا جنونيا لا سيما أسعار لحم الابقار أو العجول الذي يشهد أعلى ارتفاع له بشهادة أهل القطاع، ارتفاع مرجح للتفاقم في ظل العجز الهيكلي الذي تشهده السوق لعديد الأسباب أهمها التهريب وإتلاف جزء من القطيع بسبب الأمراض وأيضا ضعف منظومة توريد اللحوم المبردة، جميعها جعلت المنظومة تترنح إن لم نقل توشك على الانهيار وكل هذا حسب رأي أهل القطاع. حيث أكد صلاح الدين فرشيو رئيس الغرفة الوطنية لتجار اللحوم بالجملة والصناعيين المنظوية تحت لواء اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ل«الصباح» ان قطاع اللحوم الحمراء يشكو من صعوبات عديدة نتيجة سوء التنظيم وضبابية الرؤية من طرف الحكومة لارتباط المنظومة بعديد الوزارات هي التجارة والفلاحة ووزارة البيئة والجماعات المحلية التي ترجع لها البلديات بالنظر. حالة كارثية وشدد فرشيو أن وضع القطاع كارثي ولا يمكن ان يتواصل الوضع على ما هو عليه باعتبار أن المسالخ والتي يبلغ عددها 200 مسلخ في حالة يرثى لها من ناحية التنظيم والنظافة إذ لا تخضع لشروط الصحة المعمول بها في كل دول العالم كونها لا تتمتع بالتأشيرة الصحية ولا تخضع لأية رقابة بما يجعل صحة المستهلك في خطر. وأبرز أن الفوضى وسوء تنظيم المنظومة في ظل استقالة كلية لمختلف الوزرات جعلت ظاهرة التهريب تتفاقم ما خلق نقصا حادا لدى السوق المحلية ترتب عنه ارتفاع مشط في سعر لحوم الأبقار والعجول الذي يتراوح اليوم بين 24 و25 دينارا للكلغ في مختلف الجهات وحتى الداخلية منها مقابل صعوده الى اكثر من 28 دينارا للكلغ في مناطق أخرى وخاصة الأحياء الراقية وهي مرجحة للوصول إلى أكثر من 30 دينارا للكلغ، مبينا ان كل هذا خلق حالة من العزوف جعلت أهل المهنة يتكبدون خسائر جمة لا سيما في ظل تفشي بعض الأمراض الخطيرة بسبب انعدام الرقابة من الاسطبل إلى المسلخ. وشرح رئيس الغرفة أن استهلاك التونسي للحوم الحمراء قد تراجع بسبب تصاعد وتيرة الأسعار حيث بات حجم الاستهلاك السنوى 120 ألف طن سنويا بعد أن كان أكثر من 150 ألف طن. وأبرز أن إنتاجنا الوطني لا يغطي الاستهلاك المحلي إذ يتراوح حجم النقص الهيكلي بين 7 و10 بالمائة سنويا تقع تغطيته منذ 25 سنة بواسطة التوريد الذي يتكون من 3 فصول هي أولا توريد اللحوم المجمدة لتغطية حاجيات القطاع السياحي بما في ذلك محلات الأكلة السريعة والمطاعم السياحية وبعض المصحات وتتراوح الكمية بين 3000 و3500 طن، فيما يتمثل الفصل الثاني في توريد لحوم البقر والضأن المبردة من بلدان قريبة كفرنسا واسبانيا تصل تونس في غضون 3 أيام وتوزع على القصابين والمساحات الكبرى لتغطية حاجيات السوق المحلية. وبشأن الفصل الثالث فهو يتمثل في توريد العجول المعدة للتسمين والتي يتراوح عددها بين 12 و18 ألف عجل سنويا توزع على المربين ولا يقع ذبحها إلا بعد 6 أو 8 أشهر، مشيرا إلى اختلال كبير في منظومة العجول المعدة للتسمين التي تدخل بالآلاف ولا يصل إلى السوق إلا القليل منها وهو ما أكده أحمد العميري رئيس الغرفة الوطنية للقصابين لإتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي شدد أنه بين 2010 و2015 تم توريد 93 ألف عجل معد للتسمين جزء كبير منها تم تهريبه. انخرام منظومة العجول الموردة وأبرز رئيس الغرفة الوطنية للقصابين أن أكثر من 1000 قصاب اغلقوا بسبب صعوبة التزود وارتفاع الأسعار ما خلق حالة من العزوف لدى المواطن ليصبح عددهم 7400 قصاب بعد أن كانوا 8500. وشرح العميري أن اختلال هذه المنظونة يعود بالأساس إلى تكتم وزارة الفلاحة وتحديدا الإدارة العامة للإنتاج الفلاحي حول الموردين الخواص الذين يقومون بتوريد العجول المعدة للتسمين مع غياب كلي للشفافية من حيث توزيعها على الفلاحين اذ ليس هناك أي قائمة مفصلة بالمنتفعين بالكميات الموردة رغم عديد المراسلات التي تم توجيهها لكل الجهات الرسمية المعنية بالملف وهذا خلق صعوبة لدى القصابين في الحصول على هذه العجول التي يذهب جزء كبير منها عن طريق مافيات التهريب نحو دول مجاورة مشددا في هذا الصدد أن بين 55 و60 بالمائة من القطيع يهرّب ما يعني أنه بين 850 و1000 عجل أسبوعيا تمر عبر الحدود. كاشفا أن الغرفة طالبت عبر مراسلات جعل المنظومة أكثر شفافية خاصة أن العجول الموردة مؤخرا تعد من النوعية السيئة مقابل أسعار توريد مرتفعة وهو ما يطرح أكثر من نقطة استفهام حول الأسعار التي ستصل بها لحوم هذه العجول للمستهلك. وشدد محدّثنا أن عدم وضوح هذه المنظومة عند توزيع العجول الموردة وغياب المراقبة البيطرية خلال وجودها في الإسطبلات أدى إلى ظهور عديد الأمراض الخطيرة كسل الأبقار حيث لم يتم اكتشاف الإصابات سوى بعد الذبح. اللحوم المبردة معضلة أخرى وواصل رئيس الغرفة الوطنية للقصابين قائلا أن أزمة القطاع لا تقف عند ظاهرة التهريب التي تنخر لا قطاع اللحوم الحمراء فحسب بل والاقتصاد ككل بل وتشمل أيضا اللحوم المبردة التي تحتكر شركة اللحوم توريدها ولا يتمتع بها سوى المساحات الكبرى وعدد محدود من القصابين بعد أن ورد على الغرفة كم هائل من التشكيات من قبل قصابين على خلفية عدم حصولهم على نصيبهم من اللحوم المبردة الموردة ما خلق نقصا فادحا في اللحوم في مختلف جهات الجمهورية تقريبا. واقترح أحمد العميري لإخراج القطاع من الأزمة التي تردى فيها إضفاء المزيد من الشفافية على منظومة العجول الموردة من التوريد إلى توزيع العجول على المربين عبر تحديد قائمات مفصلة عن المنتفعين بها وتشديد المراقبة الصحية البيطرية في الإسطبلات والمسالخ وخاصة وضع عقود بين المربين والقصابين لاستيعاب العجول المعدة للذبح لإيقاف نزيف التهريب، وبشأن اللحوم المبردة الموردة فقد طالب بتمكين القصابين في مختلف جهات الجمهورية من نصيبهم منها.