لم يثر وزير الجدل بعد الثورة كما فعل ناجم الغرسلي، الرجل الذي تقلّد منصب وزير الداخلية في السابق يجد اليوم نفسه في واجهة الأحداث على خلفية اتهامه في قضية تآمر على أمن الدولة ووضع النفس تحت تصّرف جيش أجنبي زمن السلم ! تهمة خطيرة انطلقت تفاصيلها منذ يوم 23 أوت عندما تم الاستماع إليه لأوّل مرّة في جريمة أخطر تترتّب عنها عقوبات جزائية صارمة تصل حدّ السجن لسنوات طويلة والنفي لمدّة عشرين سنة... ومنطلق هذه القضية كان مع إيقاف رجل الأعمال المثير للجدل شفيق جراية في 23 ماي من السنة الفارطة، قضية شفيق جرّاية التي تعدّ من أخطر القضايا التي نظر فيها القضاء بشقيه المدني والعسكري في السنوات الأخيرة بل لعلّها الأخطر منذ الاستقلال حيث سحبت معها إلى خلف القضبان قيادات أمنية في مناصب حساّسة ودقيقة بالنسبة للأمن القومي بعد القبض على مدير الأمن السياحي صابر العجيلي والمدير العام للمصالح المختصة (الاستعلامات) عماد عاشور، والاستماع إلى وزير الداخلية السابق والسفير السابق والمدّعي العام لدى محكمة التعقيب ناجم الغرسلي بصفته متهما. اليوم بعد تسرب خبر مفاده أن رئيس الحكومة أمهل وزير الداخلية (المعفى يوم أمس لأسباب ما تزال غامضة) 48 ساعة للقبض على ناجم الغرسلي، ويُطرح جدل حول بطاقة الجلب الصادرة ضدّ ناجم الغرسلي ونقاش حول ما اذا كان مفتّشا عنه أم لا .. «الصباح» تغوص في تفاصيل الاختفاء الغامض لوزير الداخلية الأسبق وترصد مستجدّات وتطوّرات القضية وتبحث في الوضعية القانونية اليوم لناجم الغرسلي وفي علاقته المسترابة مع شفيق جرّاية، والأخطر من هو الليبي وليد كُشلاف الذي بسببه وجدت أبرز القيادات الأمنية التونسية نفسها خلف القضبان أو ملاحقة قضائيا وهل هناك مستفيدون من «فرار» الغرسلي؟ ! ..وفجأة أصبح وزيرا ! بدأ الرأي العام الوطني يتعرّف على ناجم الغرسلي بعد تداول فيديو شهير لاجتماع حزبي لحركة النهضة يترأسه القيادي بالحركة لطفي زيتون بولاية المهدية بتاريخ 25 أوت 2012، في تلك الندوة التي كانت حركة النهضة تحاول فيها التخفيف من الضغط الشعبي والسياسي الذي كانت حكومة الترويكا تواجهه كان ناجم الغرسلي يجلس بجانب لطفي زيتون باعتباره واليا على المهدية، وهو المنصب الذي تقلّده في ماي 2011 مع حكومة الباحي قائد السبسي بعد الثورة، وقبلها ترأس قاضي التحقيق السابق والمدّعّي العام الحالي لمحكمة التعقيب ناجم الغرسلي المحكمة الابتدائية بالقصرين لمدّة 11 سنة وكان رئيسا للفرع الجهوي بقفصة لجمعية القضاة. وفي خطوة مفاجئة تم تعيين ناجم الغرسلي في 6 فيفري 2015 وزيرا للداخلية خلفا لزميله في المهنة وابن جهته لطفي بن جدّو، تعيّين أثار اللغط والجدل ليس فقط بسبب أن الرجل لا يملك ماضيا سياسيا يخوّل له تقلّد حقيبة سيادة ووزارة الداخلية تحديدا التي كانت يومها على صفيح ساخن وتعاني من انفلات وشبهات اختراق ولكن بسبب أيضا الهجوم الحاد الذي شنّته عليه رئيسة جمعية القضاة السابقة كلثوم كنو التي اتهمته بأنه «أسوأ اختيار» لرئيس الحكومة الحبيب الصيد وأنه كان من قضاة نظام بن علّي الذين تم تكليفهم بكل القضايا «القذرة» في علاقة بمهنتهم.. وبعد حوالي سنة من تسلّمه لمهامه على رأس الداخلية غادر ناجم الغرسلي الوزارة بتاريخ 6 جانفي 2016 ليتم تعيينه بعد ذلك سفيرا فوق العادة لتونس بالمغرب، المهّمة السياسية الأخيرة التي انتهت رسميا بتاريخ 4 ديسمبر الماضي بعد إنهاء مهمّته الديبلوماسية ليكون على ذمّة القضاء في قضية التآمر على أمن الدولة المشتبه في التورّط فيها. رجل ب"حصانتين" تم استدعاء ناجم الغرسلي في مرحلة أولى وقبل إنهاء مهامه كسفير للاستماع اليه كشاهد من طرف قاضي التحقيق العسكري في القضية الجزائية المنشورة تحت عدد 4919 في انتظار رفع الحصانة القضائية عنه باعتباره قاضيا وكذلك رفع الحصانة الديبلوماسية باعتباره سفيرا . وتتلخّص هذه القضية كما أثبتتها الوقائع وشهادة الشهود في قدوم محام ليبي إلى تونس وزعمه بأنه يملك معطيات خطيرة تخصّ أمن الدولة وقد اتصل هذا المحامي بشفيق جراية الذي تجمعه به علاقة صداقة، وقد توسّط له جراية لمقابلة كل من صابر العجيلي وعماد عاشور وكذلك ناجم الغرسلي باعتباره وزيرا الداخلية وهو ما تم فعليا وتؤكّد هيئة الدفاع عن كل من شفيق جراية وناجم الغرسلي أن رئيس الحكومة آنذاك الحبيب الصيد كان على علم بالمسألة وكذلك مدير الأمن الوطني عبد الرحمان بلحاج وأن كل هذه اللقاءات تمت بعلم أعلى مسؤولي الدولة وبموافقتهم، وعلى خلفية هذه القضية تم أيضا الاستماع إلى الهادي مجدوب الذي خلف ناجم الغرسلي على رأس وزارة الداخلية كشاهد . وبعد رفع الحصانة الديبلوماسية على الغرسلي وإنهاء مهامه كسفير فوق العادة اتخذ المجلس الأعلى للقضاء أيضا قرارا برفع الحصانة القضائية عليه يوم 2 جانفي المنقضي ليمثل بعد ذلك أمام القضاء العسكري بصفته متهما في «قضية تآمر على امن الدولة ووضع النفس على ذمّة جيش أجنبي» وتصدر بحقّه بطاقة جلب في 14 مارس الماضي. رئيس الحكومة على الخطّ في الأيام الأخيرة تم تداول وعلى نطاق واسع خبرا مفاده أن رئيس الحكومة أمهل وزير الداخلية 48 ساعة للقبض على ناجم الغرسلي ولئن كذّب الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية خليفة الشيباني هذا الخبر الذي يفتقد إلى أسانيد وأسس قانونية فإن هذا الخبر بدوره فجّر جدلا في مختلف الأوساط حول وضعية ناجم الغرسلي القانونية بخصوص بطاقة الجلب وكذلك بخصوص عملية إدراجه من عدمه في نظام التفتيش الآلي . وفي تصريح ل»الصباح» أكّد خليفة الشيباني أن «ناجم الغرسلي صادرة في شأنه بطاقة جلب وليس بطاقة تفتيش وأنه تم تكليف الفرقة المركزية للأبحاث بالعوينة «حصريا» بتنفيذ بطاقة الجلب مُضيفا أن الفرقة المعنية أنجزت مهمتها وقامت بالبحث عنه منذ شهر وأعادت بطاقة الجلب للنيابة العمومية لاتخاذ ما تراه مناسبا». علما وأن قاضي التحقيق الأول بالمحكمة العسكرية الدائمة بتونس قد أصدر يوم 16 أفريل الماضي قرار ختم البحث بخصوص القضية المتعلقة بالتآمر على أمن الدولة الداخلي ووضع النفس على ذمة جيش أجنبي زمن السلم في حق كل من شفيق جراية وعماد عاشور وصابر العجيلي وكذلك ناجم الغرسلي. والى أن يظهر ناجم الغرسلي، فان اختفاء الوزير الأسبق أو فراره يحملّ «شيفرات» خفية، جعلت «تبخّره» الغريب يحمل أسرار وخفايا ،فبعد أشهر من الملاحقة لم يتمكّن الأمن من القبض عليه رغم أنه من الثابت أنه لم يغادر البلاد وبعض المعطيات غير المؤكّدة تشير إلى أنه متواجد بأحد معتمديات ولاية القصرين أين مسقط رأسه، وفي قضية مثل قضية التآمر على أمن الدولة التي تمسّ من رموز ورؤوس في الدولة سيكون هناك مستفيدون من «اختفاء» الغرسلي الذي بحكم وظيفته كوزير داخلية أسبق يعرف معلومات ومعطيات خطيرة حول ما حصل بعد الثورة وكيف حصل؟