بمجرد أن أعلنت قناة نسمة عن شروعها في بث مسلسل «يوسف الصديق» بعد دبلجته إلى الدارجة التونسية حتى عبّر الكثير من التونسيين عبر مواقع التواصل الإجتماعي عن استنكارهم للأمر لأن المسلسل الإيراني الذي بثته القنوات التونسية والعربية عديد المرات بدا لهم جيدا وهو مدبلج للعربية الفصحى ومفهوم ولا يحتاج من منظورهم إلى الدبلجة إلى الدارجة. وقد تراوحت ردود الأفعال بين الرفض والسخرية والاستهزاء من الفكرة وقد علل التونسيون مواقفهم بأن المسلسل ديني وأن الدارجة التونسية غير قادرة على الوفاء لروح العمل. والحقيقة، وبما أنّنا إزاء عمل فنّي بدرجة أولى ارتأينا أن ننتظر حتى نشاهد عددا كافيا من حلقات المسلسل قبل التعبير عن موقفنا من المسألة وقبل أن نصدح برأينا وما إن كنا مع فكرة دبلجة مسلسل يوسف الصديق إلى اللهجة التونسية أم لا. وشاهدنا فعلا عدة حلقات من المسلسل بعد كسائه اللغوي الجديد ولم تزدنا مشاهدة هذه الحلقات إلا قناعة بأن التونسيين عندما عبّروا عن حساسيتهم من الموضوع وأيا كانت حججهم إنما كانوا على حق. صحيح، لقد تم تسويق المسلسل باللغة العربية الفصحى وكان من الممكن أن يكون الانطباع مختلفا لو تم بثه للعرب منذ البداية بلغته الأصلية (مع الترجمة المصاحبة) لكن لا بد من الأخذ بعين الإعتبار معطى مهم وهو تلك القناعة لدى التونسيين بأنها وحدها الفصحى قادرة على أن تكون الوعاء المناسب للأعمال التاريخية والدينية. الدبلجة مرحب بها في المطلق ولكن... ولنا أن نشير في هذا المستوى إلى أن لا اعتراض لدى التونسيين على فكرة الدبلجة في المطلق وإنما هناك احتراز بخصوص دبلجة الأعمال الدينية وأساسا مسلسل يوسف الصديق بما أن الموضوع يتعلق بهذا العمل بالذات. ولا بأس من التذكر بأن بلادنا تجني فوائد من عملية الدبلجة وهي فوائد اقتصادية ومعنوية، ذلك أن عملية الدبلجة ليست فقط تغيير اللغة وإنما يتم من خلالها إضفاء الروح التونسية على العمل والتعريف بجوانب هامة من ثقافتنا. والدبلجة مناسبة لا فقط لتحريك عجلة العمل بالنسبة للممثل والتقني وإنما للمغنين كذلك بما ان قناة نسمة التي اختصت في دبلجة الأعمال الاجنبية وأساسا المسلسلات التركية تقوم بتونسة جينيريك العمل (المقدمة والنهاية) وعادة ما تستعين بفنانين (مغني راب وفن شعبي بالخصوص) في هذه العملية. وهناك تجارب عربية ناجحة سبقتنا في المجال، فالسوريون مثلا الذي دبلجوا العديد من المسلسلات التركية نجحوا في فرض لهجتهم واقتحموا بها كل البيوت العربية بعد أن كانت اللهجة المصرية مهيمنة لعقود من الزمن بفضل المسلسلات والأفلام المصرية واسعة الانتشار. لا اعتراض إذن على فكرة الدبلجة في العموم لكن فيما يخص مسلسل يوسف الصديق فإن الأمر يختلف. أولا، تم بث المسلسل عديد المرات على الفضائيات العربية ونجح المسلسل في شد انتباه المشاهدين ونكاد نراهن على أن هناك من بين المشاهدين من حفظ الأحداث عن ظهر قلب. ونعتقد أن قناة نسمة راهنت على هذا المنسوب من الثقة في العمل لدى المشاهدين التونسيين وأثر ذلك على اختيارها دبلجة المسلسل إلى الدارجة التونسية. ثانيا، لقد نجحت الشخصيات الناطقة بالفصحى في استمالة المشاهدين وتعود المشاهدون بنبرتها وبطريقة نطقها وبأسلوبها في التعبير وبردود أفعالها وبنوعية الحوار ولم يكن هناك حاجة كبيرة إلى تغيير الأمر مادام العمل ناجح جماهيريا وهو على ما هو عليه من شكل ومن وعاء لغوي. ثالثا، وحتى إن اقتنعنا بأنه من الممكن أن تبني شخصيات المسلسل بعد تحولها إلى الدارجة التونسية علاقة جديدة مع المشاهد التونسي فإنه يفترض أن يكون الاختيار صارما جدا. بمعنى آخر أن يقع الاختيار على ممثلين تكون لهم القدرة إما على الوفاء لروح الشخصيات أو التفوق على الشخصيات الناطقة بالعربية الفصحى وهو ما لم يحدث في مسلسل يوسف الصديق لما تمت دبلجته إلى الدارجة التونسية. فلئن كان أداء الممثلين التونسيين الذين تقمصوا (بالأحرى منحوا اصواتهم) الشخصيات الرئيسية المحيطة بيوسف الصديق على غرار زليخة وزوجها عزيز مصر وخادمتها وأصدقاء يوسف الصديق المقربين، كان عموما يتراوح بين العادي والمتوسط فإننا لاحظنا خللا كبيرا فيما يتعلق باختيار شخصية يوسف الصديق بالذات. يوسف الصديق باللهجة التونسية شخصية أخرى فالممثل الذي تقمّص الدور لم يكن صوته منسجما بالمرة مع شخصية النبي يوسف. فصوته الذي فيه نبرة تهكمية طبيعية يمكن أن ينجح في أدوار أخرى لكن لا يمكنه أن يؤدي بوفاء شخصية نبي متسامح هادئ جدا وشخصيته سمحة إلى حد المثالية وفق ما تنقله الكتب الدينية ووفق ما تركته الشخصية الناطقة بالفصحى من انطباع لدى المشاهدين. فيوسف الصديق بالدارجة التونسية فقد الكثير من سماحته ومن جمال روحه كي لا نقول أنه تحول إلى شخصية أخرى مختلفة تماما وبعيدة كل البعد عما نتخيله عن الأنبياء. ونعتقد أن هذا الخلل كان كافيا لطرح السؤال: هل كان من الضروري دبلجة مسلسل يوسف الصديق إلى الدارجة التونسية؟