أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن وجود ما أسماه بمؤشرات ايجابية تدل على بداية تعافي الاقتصاد الوطني. والحقيقة أن رئيس الحكومة وفي رغبة واضحة منه في كسب الرأي العام وتحييد المشككين في نجاعة العمل الحكومي لم يفوّت في الأيام الأخيرة فرصة الظهور في أي مناسبة رسمية دون التأكيد على هذه المؤشرات الإيجابية مع إصرار منه على أنها سابقة أولى منذ الثورة. وقد سار عدد من الوزراء على نهجه هذه الأيام مرددين في كل مناسبة نفس الفكرة ومركزين على هذه المؤشرات معتبرين أنها حجتهم المادية على نجاح الحكومة الحالية في مهامها. وإذ من الواضح أن هذه التصريحات تندرج في نطاق سياسة اتصال جديدة تقوم على قرع الآذان بالأخبار الإيجابية ومواجهة سيل الأخبار السلبية حول الحكومة، فإنها تعتبر سلاحا ذا حدين. فهي إن سمحت للحكومة بالتقاط بعض أنفاسها في هذا الظرف وهي التي ما فتئت تواجه فيه انتقادات حادة، فإن الفسحة -إن حصلت- لن تطول كثيرا وقد يكون ضررها أكثر من نفعها لأن كل الأرقام الرسمية التي تشهرها الحكومة يمكن ببساطة أن تفندها الحقيقة الميدانية. الكل في تونس يعلم أن التونسيين يعيشون وضعا اجتماعيا صعبا ولا وجود لبوادر انفراج، بل على العكس إن الوضع يتفاقم مع الارتفاع المستمر لأسعار الاستهلاك وتردي مستوى المعيشة. والسؤال إزاء ذلك كيف يمكن للمواطن أن يطمئن لأرقام الحكومة حول ارتفاع نسبة النمو وتوقع أرقام قياسية في السياحة هذه الصائفة وارتفاع هام لنسبة التصدير مع وعد بتعافي الدينار وإيقاف سلسلة تدحرج قيمته مقارنة بالعملة الصعبة، وهو لا يلاحظ ترجمة ذلك على أرض الواقع؟ فلا مستوى المعيشة لدى غالبية التونسيين تحسن ولا نسبة البطالة انخفضت حتى وإن تبجحت الحكومة بأن استقرار نسبة البطالة في حدود 15 بالمائة يحسب لها دون أن نتحدث عن الأزمة السياسية المتواصلة منذ تعطل مسار التوافق الوطني وانسحاب الإتحاد العام الوطني للشغل من وثيقة قرطاج 2 (وثيقة قرطاج 1 تكونت على أساسها الحكومة الحالية قبل أن تتطور الأحداث وتظهر وثيقة قرطاج 2 التي اهتمت بتحديد أولويات عمل الحكومة) والتي تسببت في خلق حالة من الخوف ومن القلق بشأن المستقبل تكاد تكون متفشية لدى جميع التونسيين. وإذا ما عدنا إلى المؤشرات الإيجابية التي تتحدث عنها الحكومة هذه الأيام، فإن منطق الأشياء يقول إنها - أي المؤشرات الإيجابية- يجب أن تدفعها إلى تغيير كامل في سياساتها في اتجاه التخفيف على المواطن الذي أثقل كاهله بالضرائب ودفع قسرا إلى تحمل نتائج السياسات الفاشلة لكل الحكومات التي تعاقبت على البلاد منذ الثورة بما فيها الحكومة الحالية. لكن الذي حدث هو العكس تماما. ولنا في الترفيع المتكرر غير المبرر أو على الأقل غير المقنع في أسعار المحروقات (أحدثها زيادة شهر جوان الجاري التي تنذر بعواقب وخيمة)، أضف إليه توعد المواطن بمزيد الترفيع في أسعار أغلب مواد الاستهلاك الأساسية إلى حد الاختناق أكبر دليل على أن حكومة الوحدة الوطنية تترجم بطريقة سيئة جدا مؤشراتها الإيجابية على أرض الواقع.