سيكون من السابق لأوانه الحديث عن نتائج قمة روسية امريكية تجمع قادة البلدين لأول مرة منذ انتخاب الرئيس الامريكي قبل أكثر من عام... ومع ذلك فان أنظار المراقبين بدأت تتجه الى هلسنكي لاستباق هذا الموعد وما يمكن أن تحمله محادثات الزعيمين خلف الكواليس.. بل إن بعض الخبراء والمختصين في الشأن الدولي يعتبرون أن مجرد انعقاد لقاء القمة بوتين وترامب هدف في حد ذاته، أما ما سيحدث فمجرد تفاصيل... لقاء سيأتي بعد أقل من شهر على لقاء سنغافورة الذي جمع الرئيس الامريكي بنظيره الكوري الشمالي والذي كان حتى وقت قريب أقرب للمستحيل، علما أنه سبق لهلسنكي أن جمعت لقاء فورد وبريجنيف للحد من التوتر بين امريكا والاتحاد السوفياتي في 1975 وهو اللقاء الذي مهد بعد 15 عاما للقاء بوش الأب وغربتشوف في 1990 والانسياق الى البرسترويكا مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي.. وبعيدا عن تحميل اللقاء أكثر مما يحتمل وبعيدا عن رفع سقف التوقعات، سيكون من غير المحتمل أن يكون لقاء ترامب بوتين منعرجا حاسما في الازمات العالقة في الشرق الاوسط سواء تعلق الامر بصفقة القرن التي بدأت تتضح معالمها الان ولا حتى بالملف السوري الذي يظل تحت مظلة روسيا منذ تدخلت لدعم النظام السوري وانقاذ الرئيس الاسد من مصير كان يبدو شبه محسوم... لا شك أنها ليست المرة الاولى التي يلتقي فيها الرئيس الامريكي بنظيره الروسي، فقد سبق للزعيمين أن تصافحا أمام كاميرات العالم خلال قمة العشرين في هامبورغ قبل عام ولم يخف بوتين حينها تطلعه الى لقاء الرئيس الامريكي، ويبدو أن ترامب لم يدر ظهره لتلميحات الرئيس السوري وقد أوفد قبل أسبوع مستشاره للأمن القومي جون بولتون الى الكرملين لتهيئة الارضية للقاء القمة بين واشنطن وموسكو... والارجح أن الايام القليلة القادمة ستشهد حدثا ديبلوماسيا سيحمل في طياته الكثير من الرسائل المهمة في حسابات الرئيسين لا سيما الرئيس الامريكي بعد الجدل السياسي والقانوني والاعلامي الذي هز الرأي العام الامريكي حول التدخل الروسي في الانتخابات الامريكية التي مهدت لدخول ترامب الى البيت الابيض... ولا شك أيضا أن لقاء ترامب وبوتين الاول بين زعيمين روسي وامريكي منذ لقاء القمة الذي جمع أوباما وميدفيديف في 2009 مهم كذلك بالنسبة لرئيس الكرملين الذي يعود الى المشهد الروسي أكثر قوة بعد انتخابات مارس الماضي التي جعلته الرجل الاقوى في روسيا، ولا شك أيضا أن اللقاء يعني الكثير للرئيس الروسي الذي يرفض قرارات الناتو بشأن اوكرانيا والقرم ويعارض سياسة الحلف التوسع على حدوده... لم يفوت ترامب الفرصة منذ انتخابه للكشف عن رغبته في تحسين العلاقات مع روسيا بعد عودة شبح الحرب الباردة لتخيم عليها مع تواتر التسريبات حول تأثير الاستخبارات الروسية في الانتخابات الامريكية... الاكيد أن الكثير من الازمات المعقدة مرشحة لتكون محور اللقاء الروسي الامريكي على وقع التوتر والانقسام الاوروبي ولكن ايضا تفاقم صعود اليمين المتطرف الذي وجد في توجهات الرئيس الامريكي وسياساته ما يقتدي به وهو ما يتضح مع الحكومة الايطالية، ولاشك أن الازمات في العالم العربي القاصر عن مواجهة واقعه المأساوي نصيب من اللقاء لبحث حلول سياسية لملفات مصيرية معقدة عالقة تنتظر تدخلا خارجيا للفصل فيها ولن يكون فيها للعرب أكثر من دور المتفرج... وربما يشهد اللقاء تحولا لصفقة القرن التي بدأت معالمها تتضح لتتسع وتمتد بالإضافة الى مصير القضية الفلسطينية التي تعيش على وقع هذه الصفقة التي بدأت معالمها تتضح لتشمل الملف السوري، وما ستتمخض عنه المعركة في الجنوب السوري بعد تخلي واشنطن عن المعارضة السورية، وربما تمتد الى الملف الايراني... الأكيد أن الايام القادمة ستكشف ما خفي حول هذا اللقاء المرتقب بين ترامب بوتين...