بعيدا عن المزايدات العقيمة ل"السياسويين" والحاشرين أنوفهم في السياسة فإن مشاكل تونس الحقيقية أكبر من أن يحصرها البعض في شخص أو مجموعة أشخاص لا يروقون لهم أو لا يلبون رغباتهم أو يجدفون عكس الاتجاه الذي يريدونه. إن مشاكل تونس التي كان بالإمكان حلها والمرور إلى بر الأمان دون ضغوط تذكر تكمن أساسا في إصلاحات تقررت وتأخر تجسيمها زمن كان بالإمكان ذلك دون ضغوط الجهات المالية الدولية وفي استقرار سياسي بعيدا عن الترضيات والمحاصصات الحزبية والأطماع الفردية والعائلية. وعلى عكس اهتمام بسطاء التفكير الذين يلخّصون المشهد في رحيل الحكومة أو بقائها أو في الاصطفاف إلى جانب رئيسها أو مناصبته العداء، فإن تونس التي باتت اليوم على كف عفريت ستحبس كامل الأسبوع المقبل أنفاسها في انتظار أن يصدع أعضاء مجلس إدارة صندوق النقد الدولي عن مواقفهم التي يمكن ان تكون مخالفة لما ورد في تقارير الخبراء.. فالمنشغلون داخليا بالسطحي من الأمور لا يعون أهمية هذا الاجتماع بالنسبة لمستقبل تونس القريب وقد يعمد بعضهم إلى التشويش عليه إمعانا في مزيد توتير الأجواء. فقرارات مجلس إدارة صندوق النقد الدولي -الذي أضحى يُخضع بلادنا لامتحان ثلاثي على شاكلة تلاميذ الابتدائي المطلوب متابعة تقدم تحصيلهم - ستفصح عما إذا كان أعضاؤه ينوون صرف القسط الجديد من القرض الممدد بل ستحدد قراراتهم ضوابط السوق المالية العالمية عند إسنادها القرض الذي تنوي تونس اقتناءه منها خلال الأيام القادمة. ولعلم الجميع فإن أعضاء مجلس إدارة صندوق النقد الدولي كبقية المانحين والمقرضين لا يهمهم كثيرا بقاء يوسف الشاهد كشخص أو رحيله بقدر ما يهمهم الاستقرار السياسي أو التزام من سيبقى على رأس السلطة التنفيذية بتجسيم ما تم الاتفاق حوله من إصلاحات مع تأجيل صرف أقساط القرض إلى حين التأكد من ذلك. إن مصير تونس -التي بدأت تشهد بوادر انفراج اقتصادي - أضحى اليوم مهددا وان ما قد يحمله الأسبوع المقبل من مفاجآت أو ما قد يمنحه لبلدنا من هدنة محدودة زمنيا لن يمثل إلا مرحلة في سباق الحواجز الذي علينا خوضه بثبات وسرعة ودون تعثر لتجنب الكارثة المالية.. وإن منطق الأشياء يقول إن على الجميع التعاطي بحكمة وهدوء مع الوضع الصعب وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة والابتعاد عن رفع الشعارات الفضفاضة وصدّ الأيادي الخفية والألسن الخبيثة التي إن فسح لها المجال فلن تزيد حال وطننا وشعبنا إلا سوءا.