تدحرج سريع وغير مسبوق يعرفه سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية المرجعية لا سيما الأورو الذي ارتفع مقابل الدينار في أقل من أسبوع من 2.98 دينار إلى أكثر من 3.13 دينار. انهيار تدريجي تعرفه عملتنا الوطنية على امتداد 8 سنوات لكنه يشهد ذروته خلال الأسابيع القليلة الماضية وهو مرجح للتواصل بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب لتونس. وإذا مع وقفنا على التسلسل الزمني لتراجع الدينار فقد بلغ سعر الصرف مع بداية جوان 2015 قيمة 2.18 للأورو مقابل 1.93 للدولار وخلال نفس الشهر من سنة 2016 بلغ سعر صرف الأورو 2.28 و2.01 بالنسبة للدولار أما في جانفي 2017 فقد يبلغ سعر عملتنا مقابل العملات المرجعية 2.415 مقابل الأورو و2.325 مقابل الدولار لتواصل تراجعها في شهر جوان لتبلغ 2.718 للأورو و2.429 للدولار. وللوقوف على أسباب هذا التراجع استطلعت «الصباح» رأي الخبير الاقتصادي والخبير في إستراتيجيات التنمية الصادق جبنون الذي أوضح أن العملة هي مرآة الاقتصاد باعتبارها تكشف الوضعية الاقتصادية لأي بلد، مؤكدا أن الدينار لا يخرج عن هذه القاعدة. تراجع ب40 بالمائة مقابل الأورو وأبرز أن تدحرج سعر الدينار واضح خلال السنوات الماضية حيث انخفض منذ 2011 إلى اليوم ب40 بالمائة مقابل الأورو، وأشار أن التأكيد على صرف الدينار مقابل الأورو هو نتيجة لعلاقة الارتباط العضوي للاقتصاد الوطني مع الاتحاد الأوروبي على اعتبار أن 75 بالمائة من معاملاتنا التجارية تتم مع بلدان الاتحاد. وأبرز أن تراجع صرف الدينار تعود بالأساس إلى ضعف الطلب عليه وأيضا نتيجة لشح مدخراتنا من العملة الصعبة التي انخفضت في أقل من سنة من 114 يوم توريد إلى ما بين 74 و71 يوما وهي مدخرات تتحسن ضرفيا باحتساب ما تتحصل عليه تونس من قروض وليس نتيجة عائدات قارة بالعملة الصعبة متأتية من تصدير الفسفاط أو من تسويق الخدمات وهو ما تعاني منه بلادنا في السنوات الأخيرة. وأكد جبنون أن العجز التجاري التي تعاني منه بلادنا أثر بشكل كبير على انخرام الموازنات المالية إذ يصل معدل العجز سنويا إلى 15 مليار دينار على امتداد ال3 سنوات الفارطة أي من 2015 إلى 2017، مشددا أنه من المنتظر خلال السنة الجارية 2018 أن يبلغ حجم العجز أيضا 15 مليار دينار وذلك نتيجة للتوريد العشوائي لعديد المواد التي تعد من الكماليات على غرار السيارات الفخمة ما أدى إلى استنزاف مدخراتنا من العملة الصعبة دون تحقيق أية مداخيل أخرى. وأبرز أن كل هذا جاء عقب وصفة صندوق النقد الدولي الذي اعتبر أن سعر صرف الدينار يفوق قيمته ب15 بالمائة دون أن يحدد صراحة الحد الأقصى المطلوب لانزلاق الدينار التونسي هذا ما جعلنا نلاحظ سرعة تدحرج الدينار الذي تجاوز عتبة 3.13 مقارنة بالأورو مقابل 2.64 للدولار ما سينعكس على خدمة الدين العمومي المكتتب بنسبة 2/3 منه بالعملة الأجنبية 44 بالمائة منها بالأورو ما من شأنه تدعيم الاختلال على مستوى الميزانية كما أدى إلى ارتفاع التضخم المورد من الإتحاد الأوروبي. حلول عاجلة وبيّن الخبير في إستراتيجيات التنمية أن التونسي يتحصل على أجره بالدينار في حين أن كلفة المعيشة بالأورو، مؤكدا أن الاقتصاد الوطني يعرف ضعفا هيكليا ما جعله يواجه التبعات الوخيمة لمخاطر تراجع سعر صرف عملته. وواصل قائلا أن السلبيات التي يطرحها الانزلاق تتطلب بالضرورة مراجعة السياسة النقدية بما يتناسق مع السياسات الاقتصادية من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية التي تردت فيها بلادنا. وكشف الخبير الاقتصادي أن هناك شبه إجماع من الخبراء على تواصل انزلاق الدينار في ظل تواصل الضعف الاقتصادي إذ من المرجح أن يصل سعر صرف الأورو إلى أكثر من 3.3 دينار في ظرف وجيز خلال سنة 2018. وشرح أن المتعاملين الاقتصاديين فقدوا الثقة في الاقتصاد التونسي وفي قدرته على تجاوز الأزمة التي يعيش على وقعها ما يحتم اخذ إجراءات وحلول عاجلة وانتهاج عملية لإنقاذ الاقتصاد والحد من تواصل الانزلاق، وأشار إلى أن ذلك يحتم الحد من الواردات مع تدعيم الاقتصاد الصناعي ذي القيمة المضافة العالية على اعتبار أن كل الاقتصاديات الناجحة عولت على الصناعة لإنعاش اقتصادها وأحسن مثال على ذلك هو تجربة كوريا الجنوبية، مؤكدا على ضرورة توخي سياسة نقدية ذكية مع العمل على إتباع سياسة إنقاذ يقودها البنك المركزي الأوربي من خلال إبرام اتفاقية معه حتى يقود عملية الإنقاذ التي كانت ناجحة في اليونان وتتمثل في التعاون على إيجاد إستراتيجيا ناجحة للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة.