تعوّد ثلثا سكان تونس تقريبا خلال العشرية الأخيرة من تواتر انقطاع مياه الشرب لمدة ساعات إما لأشغال لا تنتهي على القنوات أو للتحكم في كمية المخزون المائي المتوفر خاصة خلال فصل الصيف.. ومع استمرار موجة الجفاف للسنة الرابعة على التوالي وتزايد وتيرة استهلاك مياه الشربّ، أصبحت عادة قطع المياه تقاس بالأيام، وشملت جل مناطق البلاد دون استثناء بعد ان كانت مركزة في مناطق بعينها، وطيلة أيام السنة حتى تصل ذروتها في كل صيف.. فتندلع الاحتجاجات ويسود القلق وتشرئب الأعناق جزعا وهلعا من صيف ساخن وخوفا من عطش جاثم على العباد والزراعات والأنعام.. لا يختلف اثنان اليوم بأن الجفاف المستمر ونقص مياه الأمطار وتدني مخزون السدود حتى تجاوز الخطوط الحمراء، وتهرؤ البنية التحتية لقنوات جلب وتوزيع مياه الشرب هي سبب البلية، لكنها للأسف تحالفت مع علل السياسة ومصائبها ومع أزمة الاقتصاد وميزانية الدولة «التاعبة» لتزيد من هموم المواطن التونسي وتنكد عيشه وتضاعف من أحزانه.. فلا يدري على من يحتج وأين يولي أمره وأين المفر؟. ف»السنوات العجاف» مازالت جاثمة على جل التونسيين ولا أحد يعلم متى تنتهي وكيف ستنتهي. فوفقا لعبد الله الرابحي كاتب الدولة الفلاحة والموارد المائية بلغ مستوى السدود خلال الأسبوع الأول من شهر جويلية الجاري 936 مليون م³ بنقص يقدر ب111 مليون ³م، معتبرا أنّ مستوى السدود منخفض كالسنة الفارطة بسبب ضعف إيرادات الأمطار من الأودية التي بلغت 980 م³ مقابل انتظارات ب1.026 م³.. احتجاج يتلوه احتجاج.. الأمر أصبح تراجيديا بشكل يدعو إلى السخرية والضحك في نفس الوقت حتى أن الاحتجاج على الظلم والقهر والمطالبة بالحق في العيش أصبحت دائمة موسمية وقطاعية، فلكل منا احتجاجه الدوري، فمرة نحتج على ارتفاع الأسعار والضرائب الموجعة، وأخرى على نقص الأدوية، وعلى تدني الخدمات الصحية او الإدارية أو لاحتكار فاحش في مواد أساسية وغذائية معينة.. فهل له هذه الأيام ان يحتج على العطش، أم على غلاء المعيشة ام على الفقر.. ام على كل ذلك معا؟ وهل من مستمتع ومجيب؟ أضحت الاحتجاجات على قطع مياه الشرب او مياه الري عادة يومية فلا تكاد منطقة من مناطق الجمهورية تخلو من احتجاج يومي مماثل، حتى ان مناطق بعينها مثل قفصةوالكافوزغوان والقيروان وسيدي بوزيد وقبلي تعود سكانها على انقطاعات يومية ودائمة لمياه الشرب طيلة ايام السنة فما بالك خلال الصيف.. فلاحو اوتيك احتجوا أمس على قطاع مياه الري عن زاراعتهم السقوية، سكان مدينة الكاف خاصة المرتفعة منها يقضون ساعات طويلة دون ماء، اهالي مدينة زغوان وضواحيها يتكرر فيها مشهد ندرة المياه وهي التي كانت في ما مضى مطمورة مياه روما.. سكان الحوض المنجمي حدث ولا حرج فقد تعبوا من الاحتجاج وملوا.. صيف صعب وفقا لتصريحات اعلامية سابقة، قال مصباح الهلالي مدير عام شركة استغلال وتوزيع المياه،"إن بعض الاضطرابات تعود إلى عمليات الصيانة الضرورية لإصلاح الأعطاب التي تطال المعدات".، وقال أيضا أن تونس تشهد نقصًا في الموارد المائية بعد ثلاث سنوات متتالية من الجفاف والانخفاض الكبير في مخزون السدود بحوالي 30% بسبب تراجع كميات الأمطار وانخفاض مقدرات الموائد المائية. ويعترف الهلالي بأّن التونسيين أقبلوا على صيف صعب رغم مساعي الشركة لتطبيق إجراءات جديدة، تهدف إلى التخفيف من أزمة ندرة المياه، منها حفر آبار جديدة وتركيز معدات ضخ إضافية وتدعيم قنوات نقل المياه وصيانتها.. وفي خضم لهيب موجة الحر الساخنة وكدلالة على عمق أزمة شح المياه وندرتها وامكانية استمرارها واستفحالها في قادم الأيام والأشهر، دعت «الصوناد» أمس في بلاغ لها حرفائها إلى ترشيد استهلاك المياه وتأجيل بعض الاستعمالات الثانوية مثل غسل السيارات وريّ المساحات الخضراء وبعض الاستعمالات المنزلية غير الضرورية، تفاديا لاحتمال تسجيل اضطرابات وانقطاعات في التزود بالماء الصالح للشرب، وأوضحت أنّ الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة أدى الى ارتفاع غير مسبوق لاستهلاك المياه. «السخانة» تقضي على مع تبقى الأخطر من ذلك، يقول بعض الخبراء الرصد الجوي أن الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة وتكرر موجة الشهيلي وتمركزها لأيام عديدة على تونس، سيكون لها نتائج كارثية على ما تبقى من كميات المياه القلية أصلا في السدود أو مياه الآبار التي اصبحت بدورها شحيحة بعد أن تآكلت المائدة المائية بفعل عشوائية حفر الآبار السطحية التي قضت على مياه الأودية السطحية وأنضبتها.. وأصبح الحفر بالنسبة للآبار العميقة يمتد - للحصول على مياه نقية- مئات الأمتار في عمق الأرض.. فقد كشف خبير الأرصاد الجوية حمدي حشاد، أن تونس تقع، حاليا، تحت ظاهرة ما يعرف بالقبة الحرارية التي تشكلت بمنطقة شمال افريقيا وهبوب ريح الشهيلي واستمرار ارتفاع درجات الحرارة التي تراوحت خلال الأسبوع المنقضي بين 40 و 48 درجة. وبين ان هذه الظاهرة استمرت أكثر من مدتها العادية ويمكن ان تستمر لثلاثة أسابيع وستسبب تبخر مياه السدود.. وفي الأثناء، وعدت الحكومة بتخصيص أموال اضافية لفائدة «الصوناد» لتحويل مياه الشمال وتدعيم الآبار في كامل تراب الجمهورية بحفر 88 بئرا منها 19 لتدعيم منطقتي قبليوصفاقس لسد الفراغ في سد نبهانة الذي كان يوفر 600 متر مكعب بالماء. في انتظار استكمال مشاريع تهم تطوير المنظومة المائية مثل محطات تحلية مياه البحر بكل من صفاقس والزارات وسوسة وجربة واستكمال بناء سدي القلعة والسعيدة..