قد تكون صيحة فزع وانذارا مبكرا ذلك الذي صدر عن وزير التربية تحت قبة البرلمان وهو يعدد النقائص الفادحة ماديا وبشريا في مؤسساتنا التربوية محذرا في الآن ذاته من عودة مدرسية تلوح صعبة وصعبة جدا. كلام الوزير عن نقص بأكثر من عشرة آلاف معلم إلى جانب حاجيات بالآلاف من القيمين والمرشدين والعملة أعادت للأذهان ظروف العودة المدرسية الفارطة التى وصفت بالكارثية بعد تعذر التحاق التلاميذ بمدارسهم لأشهر وما رافق ذلك من احتجاجات وقطع للطريق من قبل الأولياء الغاضبين. وأمام تعمق الحاجيات اليوم واستغاثة الوزير، في ظل غياب الحلول على ما يبدو وصعوبة الانتدابات نظرا للوضعية المالية الصعبة للبلاد، قد نكون مقبلين على عودة مدرسية أكثر سوءا وقتامة من سابقاتها. تعكس وضعية المدرسة التونسية اليوم صورة الأزمة التي تمر بها البلاد على امتداد فترة انتقالية أهملت فيها الحكومات والساسة جميع الملفات العاجلة والآجلة لصالح الإصرار على»الإنجاح السياسي» للانتقال في تونس، فدفعت القضايا الحارقة الإقتصادية والاجتماعية وفي مقدمتها التعليمية فاتورة إضاعة الكثير من الوقت والجهد في مسار سياسي متعثر مازال يبحث عن مستقر وسط أزمات عاصفة من حين لآخر. في الأثناء تتفاقم علل وأمراض المدرسة التونسية التي أضحت مرآة عاكسة لصورة مجتمعنا والوضع المأزوم في البلاد على أكثر من صعيد. فالعنف اللفظي والمادي والسياسي السائد والمتنامي له انعكاساته داخل الفضاء التربوي يظهر عبر توتر العلاقات بين مختلف مكونات المنظومة التربوية، وحالات العنف المسجلة في الوسط المدرسي سنويا تقيم الدليل على ذلك. بدورها تلقي الصراعات الحزبية والإيديولوجية بظلالها على المناخ التربوي وتتعدد أشكال التأثير لتتجسد بأكثر وضوح في العلاقة بين النقابات وسلطة الإشراف التى لا ينكر أحد أنها أحيانا كثيرة ما كانت الأزمات والإضرابات بطعم ورائحة السياسة وإن كانت الشعارات والمطالب مشروعة لا غبار عليها. ويبقى الوجه القبيح لأزمة المؤسسة التربية، الذي تتحمل فيه الحكومات المتعاقبة المسؤولية الأكبر، ذلك المتعلق بالحالة المزرية للبنية التحتية والتجهيزات التى أصبحت تعيشها مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا دون أن ننسى الخدمات المدرسية والجامعية وتلك الصورة المأساوية لوضعية المبيتات والمطاعم والفضاءات الرياضية والثقافية التي يؤمها تلاميذنا وطلبتنا، بالإضافة إلى تدني مستوى التلاميذ وحالة التذبذب والعشوائية في الخيارات التربوية في غياب الإجماع إلى حد الآن على صيغة نهائية لمشروع الإصلاح التربوي الذي تحتاجه تونس. التعليم.. أمانة اليوم في أعناق من يسوس البلاد ونحتاج إلى الوقوف على نقاط ضعف المنظومة التربوية والاتفاق على وجهة الإصلاح المطلوبة بعيدا عن الأجندات والصراعات. فقد تغفر كل التجاذبات والخلافات والأخطاء لكن أبدا لن يكون هناك مجال للصفح والتسامح إذا ما تعلق الأمر بمستقبل الأجيال القادمة.