انتظمت بالضاحية الشمالية لتونس فعاليات أشغال الندوة الوطنية حول إصلاح المنظومة التربوية وذلك بمشاركة العديد من المربين والمسؤولين عن القطاع التربوي بالإدارات المركزية والجهوية وخبراء تونسيين وأجانب في المجال التربوي إضافة إلى عدد من ممثلي المجتمع المدني والأحزاب. كما حضر هذه الندوة بعض سفارات الدول الشقيقة والصديقة و26 تلميذا من مختلف معاهد الجمهورية وذلك بغية تحديد وإعداد استراتيجية عمل لإصلاح المنظومة التربوية وذلك تحت إشراف السيد عبد اللطيف عبيد وزير التربية و الأستاذ حمادي الجبالي رئيس الحكومة الذي تطرق أثناء مداخلته التي افتتح بها اللقاء إلى الصعوبات التي يعاني منها قطاع التربية والتعليم والنقائص والسلبيات التي تحف بالمنظومة التعليمية في بلادنا رغم المجهودات الجبارة التي قدمها أهل الاختصاص في هذا المجال منذ استقلال البلاد.وقد أكد على أن المنظومة التربوية تحتاج إلى تدخل عاجل لتصويب الاعوجاج وتذليل الصعوبات وذلك عبر آليات التقييم والعلاج وهو أمر مهم انطلقت وزارة التربية لتنفيذه رغم الصعوبات التي تمر بها البلاد وبعض الاحتقان في المجال الاجتماعي وتعثر الاقتصاد والانفلات الأمني وذلك قصد تنمية مواردنا البشرية كما وجه دعوة صريحة إلى أطراف عديدة معنية بالشأن التربوي من كافة ولايات الجمهورية ومن خارج البلاد من مربين وباحثين ونخبة من كبار المختصين في التخطيط والاستشراف للمشاركة في هذا البرنامج علما أن بلادنا مرت بعدة إصلاحات سابقة منذ سنة 1958 مرورا ب«إصلاح» 1991 وصولا إلى «إصلاح» سنة 2002 لكن الواجب يفرض علينا مواصلة البناء كما تعرض رئيس الحكومة إلى ملف الفساد الذي مس جل مجالات التربية لذلك وجب وضع الإصبع على الداء للعلاج والتقويم طبقا للمنهجية التي سوف تحدد خطوطها أشغال الندوة لتتحول على المستوى الجهوي ثم المحلي.كما وعد الحضور بمتابعة كافة المقترحات المقدمة والتوصيات وايلائها ما تستحق من عناية وذلك بهدف الإصلاح والعلاج بعيدا عن التوظيف السياسي والايديولوجي ومن أبرز العلل ظاهرة الانقطاع المدرسي إذ وصلت نسبة التسرب بالمرحلة الأولى من التعليم الأساسي إلى 3% ونسبة 10 % في نهاية المرحلة الثانوية إذ مازالت ظاهرة الأمية تهدد مجتمعنا فقد تخطت نسبتها 20 % ثم تعرض المتدخل إلى ظاهرة العنف في المؤسسات التربوية ومحدودية مساهمة تلاميذنا في الحياة العامة والهوة الكبيرة التي تفصل بين المنظومة التربوية وسوق الشغل والواقع الاجتماعي مع ضرورة مراجعة الاختصاصات وربطها بحاجيات سوق الشغل ومن بين خطوات الإصلاح وجوب تشخيص المنظومة قصد تقييمها وذلك يتطلب جهازا محايدا ومستقلا ومراجعة منظومة النظام التأديبي والتقييم والامتحانات مؤكدا على أن الإصلاح التربوي جهد لايجب أن يتوقف باعتباره عملا متواصلا ثم أشار إلى ثلاث قضايا أساسية وهي، مصداقية الامتحانات الوطنية، استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية وقضية الحاجة الماسة إلى التنسيق بين منظومة التربية ومنظومة التكوين والتعليم العالي لأن لها نفس الدور ويجب أن تكون جهودها متظافرة.وبالمناسبة قدم الأستاذ الجامعي «مراد بهلول» مداخلة بعنوان «تشخيص واقع المنظومة التربوية «وهي قراءة نقدية للمحطات التي مر بها إصلاح المنظومة التربوية في بلادنا منذ الاستقلال.ثم استمع الحاضرون إلى مداخلة ثانية للأستاذة الجامعية»نورد خزري الرميلي» بعنوان «الإصلاحات التربوية في تونس- المكاسب والحدود-» والمداخلة الثالثة كانت للمتفقد العام للتربية السيد «محمد نجيب عبد المولى» بعنوان «الإصلاحات التربوية التونسية بين جمال الرهانات ومحدودية الإنجازات».
«الشروق» واكبت فعاليات هذه الندوة والتقت مجموعة من أصحاب الرأي في الشأن التربوي لمعرفة ردود أفعالهم بخصوص كلمة رئيس الحكومة والاستماع إلى البعض من مقترحاتهم بخصوص هذا الموضوع فالسيد «الهاشمي العرضاوي «متفقد أول للمدارس الإعدادية والمعاهد بجهة تونس صرح بأن ما ورد في كلمتي السيد رئيس الحكومة والسيد وزير التربية ما يفيد أن الفساد ضرب المنظومة التربوية والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو ماذا نفعل؟ فالفساد نوعان وله تاريخان، فساد ممنهج قبل 14 جانفي وشارك فيه الجميع كل بمقدار وفساد بعد 14 جانفي وتيرته أعلى وأخطره السكوت عن الفساد السابق؟ والمطلوب في إطار العدالة الانتقالية فتح ملف الفساد في وزارة التربية للمصارحة والمحاسبة فلا إصلاح ولا تفكير في تطوير المدرسة إلا بعد ذلك.أما السيد مختار الهداوي المندوب الجهوي للتربية بالمنستير فقد أبدى إعجابه بالكلمة التي توجه بها رئيس الحكومة قائلا:إن هذه الكلمة شافية كافية تنم عن فهم ودراية بواقع المنظومة التربوية فقد شخص معضلاتها الحالية وركز على الجوانب الهامة منها الانقطاع المبكر وضعف المردود التربوي وعدم انسجام مخرجات التعلم وحاجيات سوق الشغل مع ضرورة مراجعة المنوال التربوي للتنمية وبهذا يمكن أن نتجاوز أزمات المدرسة التونسية، لذلك لا بد من إرادة صادقة حتى نتمكن من كسب الرهانات ونحقق الرشاد التربوي المنشود ونعطي للمدرسة صورة جديدة ناصعة بعيدة عن كل التجاذبات الايديولوجية والسياسية.»أما السيد «أنيس عبيد» مدير معهد ابن أبي الضياف ببئر علي بن خليفة بصفاقس فهو يعتبر أن المحاور المدرجة في إصلاح المنظومة التربوية هي أساسية وعلى درجة عالية من الأهمية فقد تم التركيز على تكوين المدرسين والتلاميذ دون التطرق إلى ضرورة العمل على تحسين البنية التحتية من فضاءات وقاعات تدريس ووسائل تعليمية ومعدات التي بدونها لا يمكن أن يتحقق الإصلاح مثل مراجعة الزمن المدرسي الذي يحتاج إلى عدد كاف من القاعات كما يجب إعادة الاعتبار إلى التنشيط الثقافي الموازي للتدريس لما له من دور هام في عملية التنشئة الاجتماعية.أما السيد علي الماجري المرشد التربوي بالمدرسة الإعدادية بالنخيلات ولاية أريانة فهو يرى أن هناك غيابا للقراءة المستقبلية وعدم توضيح ما إذا كانت المنظومة ستتأثر بالشأن السياسي أم لا؟ كما يقترح إنشاء ورشات عمل دائمة لمتابعة تنفيذ المقترحات مع ضرورة مراجعة التشريعات الخاصة بالمؤسسات التربوية.
والسيد علي موسى أستاذ أول للتعليم الثانوي بجهة مرناق وباحث جامعي في علم اجتماع التربية أكد على ضرورة التشخيص أولا للمنظومة الحالية والوقوف على الايجابي منها ودعمه ثم إبراز السلبي وعلاجه مع العمل على الإسراع في الإصلاح وتشريك المدرسين المباشرين للقسم قبل غيرهم ثم أضاف أن ظاهرة الدروس الخصوصية استفحلت ومست من مبدإ مجانية التعليم وتكافؤ الفرص لذلك يجب أن يكون الإصلاح شاملا لاجزئيا بمعنى يتماشى مع إصلاح المجتمع.كما كان للتلاميذ رأي في عملية إصلاح المنظومة التربوية فالتلميذة «نهى البوغانمي» المرسمة بالسنة الثالثة آداب بمعهد فرحات حشاد ببنزرت تدعو إلى ضرورة اعتبار التنشيط الثقافي ضمن البرنامج الرسمي للدراسة لما له من دور هام في بناء شخصية التلميذ وصقل مواهبه وتهذيب ذوقه ويبقى ذلك رهين توفير وتخصيص التوقيت المناسب للمشاركة في نشاط النوادي كما بينت أن المكتبات داخل المعاهد تفتقر إلى العديد من المراجع والدراسات لذلك يجب العمل على تأثيثها مع مراجعة الزمن المدرسي والتخفيف من ساعات الدراسة حتى يتمكن التلميذ من المشاركة في الحياة المدنية.