بعد غياب سنوات مر خلالها بأزمة صحية، وبتعافيه، يعود المسرحي صالح المحنوش للنشاط بعرض مسرحية «مواطن فوق العادة» التي سبق أن شارك بها في عديد التظاهرات وقدمها في عدد من الفضاءات الجامعية منذ خروجها للعرض قبل ثلاث سنوات. ليقدمها لأول مرة في شكل جديد ومغاير للنسخة الأولى من هذا العرض مساء أول أمس في إطار مهرجان البحر الأبيض المتوسط بحلق الوادي في دورته الرابعة والأربعين. وتجدر الإشارة إلى أن مسرحية «مواطن فوق العادة» هي من نوع «الوان مان شو» يجسدها على الركح أحمد المحنوش المعروف بصالح المحنوش شاركه في كتابة نصها زهير الرايس في النسخة الأولى ونور الدين العياري في النسخة الجديدة للمسرحية وأخرجها شقيقه حسين المحنوش. وتتناول المسرحية قضية الشباب التونسي المعطل عن العمل والحالمين بحل لأزمة التشغيل خاصة منهم الحاملين لشهائد عليا وغيرهم من أبناء الأحياء والجهات المهمشة وذلك من خلال قصة مثقف وحامل لشهائد جامعية أصيب بالإحباط فأدمن شرب الخمر بسبب تعاظم حجم المعاناة والصعوبات اليومية جراء سطوة الواقع المرير والمخزي والبطالة المطولة وتعرّج المسرحية في نفس الطرح على مشهد البلاد اليوم ووضع بعض الفئات الاجتماعية في تونس ما بعد الثورة. فعلى امتداد ساعة ونصف عاش جمهور «الكراكة» حالات من الضحك والإمتاع الذي لا يخلو من الألم والحزن، وهي حالات هندسها «صنّاع المسرحية موجهة بغرض تشريك الجمهور الحاضر في العمل من خلال مقارعة الذات في مشاهد متواترة في العمل تعري حقائق ومظاهر من الواقع اليوم بما يتضمنه من مواطن مضيئة وجمالية من ناحية وظواهر مشينة وسلبية من ناحية أخرى. منحى كوميدي وقد نحت النسخة الحالية من هذا العمل منحى كوميديا صرفا بما يضع المسرحية في خانة «الوان مان شو» المخصصة للضحك وكأن الممثل والمخرج وكتاب السيناريو اختاروا التوجه إلى التجاري والخروج من «حالة البطالة» لاسيما في ظل ما تشهده مثل هذه النوعية من الأعمال من إقبال، خاصة أن هذا العمل عرف تحيينا وتغييرا في عدة مستويات، وذلك مقارنة بما كانت عليه المسرحية في نسختها الأولى. وأبدع صالح المحنوش في أدائه وتحركه على الركح والتعاطي مع الشخصيات الأخرى التي يتقمصها في نفس العمل وفي تناول قضايا راهنة من قبيل غلاء المعيشة والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية في حياة المواطن التونسي مقابل التراجع المذهل لقيمة الدينار التونسي وعدم توفر الأدوية والأزمة الاقتصادية ومشاكل جرايات التقاعد ومحاولات البحث عن طرق للحد من الأزمة فكان أن طرح في هذه المسرحية هذه المسائل بطريقة تجمع بين الهزل والنقد والتهكم من قبيل «إجبار المرأة على حمل مولودها لمدة عامين عوض تسعة أشهر لتجنب مصاريف الحليب والعلاج..» أو تقنين قرار يخلص الدولة من كل من يبلغ سن التقاعد لتضاعف صناديق الضمان الاجتماعي والحيطة الاجتماعية و»الكنام» خزينتها. فضلا عن تنامي ظاهرة التهريب وانتشار تعاطي المخدرات و»الزطلة» لدى قاعدة موسعة من الشباب تحت عنوان «الهروب من الواقع المرير». وقد تفاعل الحاضرون مع المسرحية خاصة أن عددا هاما من الممثلين والمسرحين قد واكبوا هذا العمل الذي أرادوه تحية حب وتقدير للفنان الكبير حسين المحنوش وشقيقه ابن فرقة الضاحية الشمالية للمسرح بالكرم صالح المحنوش العائد للتمثيل. عودة للعروض وأفاد بطل المسرحية صالح المحنوش أن هذا العرض لم يكن سهلا بالنسبة له خاصة بعد التغييرات التي شملت شكل ومحتوى المسرحية من ناحية ثم أنه لأول مرة سيصعد على الركح ويواجه الجمهور بالوقوف على ساق اصطناعية. وبين أنه تلقى وعدا من وزارة الشؤون الثقافية بدعم هذا العرض من خلال برمجته في بعض المهرجانات. ومن جهة أخرى أكد أن تغيير مضمون المسرحية بالابتعاد عن «الدرامي» ووضعها في خط «الكوميدي» كان بهدف التسويق للعمل من خلال ضبط برنامج لسلسة من العروض الخاصة في عدة فضاءات بالعاصمة ذكر من بينها قاعة الزفير بالمرسى وعددا من المناطق داخل جهات الجمهورية. وعلل ذلك برغبته وشقيقه حسين المحنوش في العودة إلى النشاط والعمل والمحافظة على بقائهما في المشهد الثقافي بشكل عام. لأنه يعتبر الوقت مناسبا لتنفيذ وتقديم مشاريع أخرى لأعمال مسرحية بمشاركة مسرحيين ومبدعين آخرين.