تؤكد التصريحات والتحركات الأخيرة صلب نداء تونس أن النية تتجه على ما يبدو لانهاء الأزمة في الحزب الحاكم والفائز في انتخابات 2014 ما لم تتعنت قيادته ويتمترس كل شق خلف أحد طرفي الصراع المدير التنفيذي ورئيس الحكومة. ورغم ما خلفه النداء من خيبة أمل لدى ناخبيه بالدرجة الأولى كما لدى التونسيين من منطلق أنه الممسك بمقاليد السلطة مع شريكه في الحكم وبالتالى تحميله المسؤولية بالدرجة الأولى فيما آلت إليه الأوضاع السياسية والعامة في البلاد وأيضا في تلك الصورة المشوهة التى كرسها النداء للأسف عن قيادات حزبية تتصارع من أجل دوافع عائلية وشخصية بالأساس. لكن لا نبالغ في المقابل إذا ما قلنا أن كثيريين اليوم مازالوا يأملون في تعديل البوصلة داخل النداء وإن نجح الندائييون في تجاوز الأسباب الحقيقية لأزمته المعروفة لدى القاصي والداني ويشار إليها بالبنان وهي القطع قولا وفعلا مع أي شبهة توريث لنجل مؤسس الحزب، فقد يعود الكثير من قيادات النداء الغاضبين ويسترجعون دورهم التعديلي على الساحة السياسية. قد يتساءل البعض لماذا هذا الإصرار على تعافي النداء وعلى أهمية دوره في التوازن على الساحة السياسية وهذا منطقي فقد يبدو للوهلة الأولى مبالغة في أهمية حزب في ساحة تعج بأكثر من 200 حزب رغم الفاتورة الباهظة التى دفعتها البلاد برمتها نتيجة أخطاء النداء وقياداته. وإن حمل هذا الكلام الكثير من الوجاهة إلا أنه لا يجب أن يغفل حقيقة أنه في غياب حزب متماسك وقوي ومهيكل فستتأكد أكثر فأكثر هيمنة حركة النهضة على المشهد بعد حفاظها على تماسكها في حين تشرذمت جل الأحزاب من حولها إضافة إلى نتائجها في الانتخابات البلدية وحصادها الوافر من رؤساء البلديات. والنهضة تدرك جيدا مخاطر "تغولها" على نفسها قبل أن تكون على الديمقراطية الناشئة في تونس لذلك تجدها في مقدمة المنادين –ظاهريا على الأقل ومن خلال تصريحات بعض قياداتها- بأهمية دور نداء تونس في الحفاظ على التوازن على الساحة السياسية في الوقت الراهن وتبدو حركة النهضة في ذلك منسجمة مع سياسية المراحل التى تتبعها منذ تجربة الحكم في 2011. ولعل تمسك البعض بتجاوز أزمة النداء يعود في قسم منه إلى أن بقية الأحزاب لا تبدو للأسف قادرة على خلق البديل الكفيل باحداث التوازن السياسي المطلوب. سيما وأن أغلبها فشل في القيام بمراجعات داخلية كما فشلت في تكوين جبهات قوية أو الانصهار فيما بينها باستثناء انصهار التحالف الديمقراطي مع التيار الديمقراطي وهو المثال الوحيد، بعد تجربة الجبهة الشعبية، لتحالف وانصهار حزبي لم يصطدم بجدار "هوس الزعامة" الذي أفشل سابقا كل محاولات التكتل الحزبي وتشكيل جبهات أو خط ثالث لكسر الاستقطاب الثنائي. وربما تكون الأحزاب مطالبة اليوم بتجاوز أخطائها للتاسيس لحياة حزبية وديمقراطية سليمة ومتوازنة.