قبل أسابيع قليلة، من انطلاق الدورة البرلمانية الجديدة من المتوقّع أن يعرف المشهد النيابي عدّة تغييرات كبيرة وتحوّلات عميقة، ستفرز توازنات سياسية وحزبية وبرلمانية جديدة سيكون لها تأثير على المشهد العامّ الذي مازال يتخبّط في أزمته السياسية التي "خمدت" في الأسابيع الأخيرة ولم تنته بل قد تزداد استفحالا في قادم الأيام مع عودة أشغال مجلس نواب الشعب. وستتزامن عودة هذه الأشغال مع قضايا وملفات حارقة ومنها مشروع قانون الميزانية الجديدة والذي من المتوقّع أن يفجّر كما من المواقف المتضاربة بخصوصه، بالإضافة إلى مسألة انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية التي تعطّلت أكثر من مرّة خلال الدورة البرلمانية المنقضية وكذلك مسألة سدّ الشغور في منصب رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات بعد استقالة رئيسها للمرّة الثانية وقبل سنة من انتخابات 2019 البرلمانية والرئاسية، بالإضافة إلى المبادرة التشريعية لرئيس الجمهورية حول المساواة في الميراث والتي استفاض الجدل بشانها وانقسمت الآراء حولها بين التأييد والرفض والتي من المتوقّع أن ينظر فيها مجلس نواب الشعب مع بداية الدورة البرلمانية الجديدة.. وقبل انطلاق الدورة البرلمانية بدأت كل القوى السياسية في حشد صفوفها النيابية من أجل ضمان أغلبية تمنح زخما ومعنى للاستقرار السياسي والحكومي، لينتقل البرلمان من مرحلة السياحة الحزبية داخل الكتل البرلمانية الى مرحلة ترشيد العمل النيابي وفرز كتل نيابية وازنة برلمانيا وسياسيا، حيث من المتوقّع أن يعرف المشهد البرلماني ولادة كتل جديدة و"توافق" كتل أخرى مسنودة بأحزاب وقوى سياسية بصدد التباحث بشأن توحيد جهودها في ائتلاف سياسي – انتخابي، استعدادا لانتخابات 2019 وهي أساسا حزب نداء تونس والأحزاب "المتفرّعة عنه" كأحزاب مشروع تونس وبني وطني وحزب المستقبل.. كتلة نيابية جديدة في تصريح ل"الصباح" أكّد النائب وليد جلاّد أنه سيتم يوم الاثنين القادم الإعلان عن تشكيل كتلة برلمانية جديدة تضمّ نواب الكتلة الوطنية –المنشقة في وقت سابق عن كتلة نداء تونس -بالإضافة إلى نواب حزب الاتحاد الوطني الحرّ بالإضافة وعدد من النواب المستقلين، ومنهم النواب الذين غادروا كتلة مشروع تونس، وكتلة حزب آفاق.. ورغم تأكيد وليد جلاّد أن المشاورات ماتزال جارية بين عدد من النواب والكتل البرلمانية بشأن هذه القوّة البرلمانية الجديدة الاّ أنه يتوقّع أن تضم هذه الكتلة ما بين 35 و40 نائبا من النواب المستقلين والنواب المنتمين إلى كتل أخرى، كما أشار محدّثنا الى أن هذه الكتلة البرلمانية هدفها القطع مع "حالة تشتت الأصوات والقوى في مجلس نواب الشعب وتسهيل العمل البرلماني". وحول علاقة هذه الكتلة بالقوى السياسية والاحزاب قال وليد جلاّد أنها" كتلة نيابية ليس لديها سند حزبي وتأتي في اطار مبادرات لم ترتق بعد الى أفعال وهي ليست مبادرات حزبية أو سياسية بل هي مبادرات في اطار عمل برلماني". وحول العلاقة المحتملة بين هذه الكتلة النيابية وحكومة يوسف الشاهد التي تحاول أن تضمن لنفسها سندا برلمانيا قوّيا، قال جلاّد "مازلنا في اطار المشاورات وبالنسبة للعلاقة مع الحكومة فانها ستكون في اطار المساندة النقدية للحكومة وستكون لنا مواقف من القضايا البرلمانية ومن مؤسسات الدولة ولكن في الملف السياسي ستكون هناك مساندة نقدية للحكومة ومبدئيا نحن ندفع باتجاه الاستقرار السياسي والحكومي". المشروع والنداء.. في كتلة "توافق" منذ أيام أعلن رئيس كتلة مشروع تونس رؤوف الشريف أن كتلة حركة مشروع تونس امضت بيانا مشتركا مع كتلة نداء تونس للاعلان عن تأسيس جبهة تجمع كلا من كتلة النداء وكتلة الحرّة التابعة لحزب المشروع من أجل عمل برلماني مشترك وأن هذه الجبهة ستخلق توازنا جديدا للقوى السياسية داخل مجلس نواب الشعب. وقد سبقت ذلك سلسلة من الاجتماعات بين حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس بهدف "تكوين كتلة نيابية تكون الأولى في البرلمان وتمثل صمام أمان للعملية السياسية وقوة اقتراح تتصدى لكل محاولات التوظيف السياسي للمسار التشريعي"، حسب بيان صادر عن الحزبين يوم 15 أوت الجاري. كما أنه من المتوقّع أن تكون بداية سبتمبر تاريخا للاعلان عن ائتلاف سياسي انتخابي يتكوّن من أربعة أحزاب وهم أحزاب المستقبل، نداء تونس، مشروع تونس، بني وطني.. وتطمح هذه الأحزاب الأربعة الى تكوين جبهة سياسية متماسكة، تنتهي بائتلاف انتخابي من خلال قائمات وبرامج مشتركة في الانتخابات القادمة. ولا تخفي الأحزاب الساعية الى هذا التحالف الانتخابي رغبتها في تحشيد صفوفها السياسية والانتخابية في مواجهة حركة النهضة المتصدّرة للمشهد البرلماني ويحاول حزبا نداء تونس ومشروع تونس خاصّة توحيد جهودهما البرلمانية من خلال كتلتيهما النيابيتين حتى يكون لهما قرار سياسي مؤثّر سواء في مشاريع القوانين المعروضة على مجلس نواب الشعب وكذلك في علاقة بنجاعة العمل الحكومي، خاصّة بعد "ترنّح" التوافق وغضب الندائيين بعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي فازت فيها حركة النهضة بأغلبية الأصوات، وفوز حركة النهضة أشعر حزب نداء تونس والأحزاب القريبة منها بخطورة المرحلة القادمة وإمكانية اكتساح حركة النهضة للمشهد السياسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، خاصّة وأن حركة النهضة فرضت ارادتها الى حدّ الأن ونجحت في المحافظة على الاستقرار الحكومي واستطاعت أن تتجنّب مسألة اقالة يوسف الشاهد رغم تمسّك حزبه الأم نداء تونس باقالته. محاولة لعزل كتلة حركة النهضة تسعى كل من كتلة "التوافق" بين حزبي مشروع تونس ونداء تونس او كتلة "الاندماج" بين الكتلة الوطنية وكتلة الاتحاد الوطني الحرّ والمستقلين من حزبي المشروع وآفاق الى محاصرة كتلة حركة النهضة ذات الأغلبية البرلمانية واعادة صياغة المشهد السياسي وفق رؤية هذين الكتلتين وليس وفق ارادة أغلبية كتلة حركة النهضة. واذا نجحت القوى والأحزاب المشكّلة لهذين الكتلتين في تجميع صفوفها، فان كتلة حركة النهضة ستفقد قوّتها البرلمانية ولن تكون لها الأغلبية النيابية التي تسمح لها بفرض إرادتها السياسية خاصّة في علاقة بأهم القضايا المتوقّع طرحها على البرلمان مع بداية الدورة البرلمانية الجديدة وهي أساسا قانون المالية والمحكمة الدستورية وسدّ الشغور على مستوى رئاسة الهيئة العليا للانتخابات. ومن المحتمل أن تجد هذه القوى البرلمانية الجديدة في حالة تصادم على خلفية مواقفها المتباينة من حكومة يوسف الشاهد التي شقّت المواقف حولها ونجحت في إيجاد مؤّيدين لها من بين الأحزاب والنواب.