أيّة تغييرات سياسية ممكنة ستعيشها بلادنا بعد الموقف الأخير الصادر عن مجلس شورى حركة النهضة؟ سؤال قد يجد ما يبرره سيما في علاقة حكومة يوسف الشاهد بحركة النهضة والتي انتهجت طريق الألغام للدفاع عن «حكومة الوحدة الوطنية» بل إنها بالغت أحيانا في ضمان بقاء الشاهد على رأس الحكومة في وقت اشتدت فيه دعوات الإطاحة بها . تحولات المشهد واستعدادات السنة السياسية فرضت تطورات جديدة خلال 24 ساعة الأخيرة، فموقف حركة النهضة من الحكومة عاد ليطفو على سطح الأحداث مجددا ولكن بأكثر وضوح وأكثر حزم، حيث دعا شورى النهضة إلى «حاجة البلاد إلى حكومة مستقرة ومنصرفة كليا إلى تجسيم الإصلاحات والتصدي للتحديات وتهيئة البلاد لانتخابات 2019 دون أن يكون أعضاؤها معنيين بالترشح وذلك ضمانا لنجاحها في مهامها. هكذا أمر لم يحمل الجديد من ناحية الطرح السياسي ذلك انه كان متداولا منذ غرة أوت 2017 حين دعا رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الشاهد الى توضيح موقفه من انتخابات 2019 وذلك بعد ان ارتفع سقف طموحات رئيس الحكومة اثر حربه المفتوحة على الفساد وما رافقها من ارتفاع لشعبية الشاهد وفقا للأرقام والنسب الصادرة عن أكثر من مؤسسة لسبر الآراء. ضمانات النهضة وقد خلقت الحرب على الفساد وارتفاع شعبية رئيس الحكومة وقتها خلافات حادة مع رئيس الجمهورية الذي لم يكن على علم بحرب الشاهد وهو ما اعتبره قائد السبسي تجاوزا لشخصه، الأمر الذي دفع بالعائلة الحاكمة للتدخل في هذه الخلافات ليتولى معها المدير التنفيذي مهام قيادة المعركة بالنيابة عن أبيه تجنبا لإحراجات ممكنة. وكان تدخل الغنوشي في حواره على قناة «نسمة» في شهر أوت 2017 للتخفيض من منسوب الحرب الباردة بين طرفي السلطة التنفيذية، فكان لابد من التقليل من السرعة المفرطة للشاهد مقابل تقديم ضمانات للباجي بان لا احد قد يحرجه أو يقلل من شانه في تلك الفترة. ضمانات النهضة تقدمت أيضا ليوسف الشاهد، فبعد ان عاشت حكومته على وقع الاستفزاز السياسي والابتزاز الحزبي من نداء تونس والدعوات المتكررة للإطاحة بها، عادت الحركة لتمسك بالمشهد السياسي من جديد بعد ان رفضت خيار إنهاء مهام رئيس الحكومة من خارج البرلمان، رافضة في هذا السياق تأثيرات وثيقة قرطاج كمعطى مواز للبرلمان وهو ما دفعها لعدم القبول بالنقطة 64 من مخرجات اللجنة المنبثقة عن اجتماع الأمناء العامين ورؤساء الأحزاب والمنظمات الموقعين على وثيقة قرطاج وهو ما ادخلها في سلسلة من التهم من قبيل اعتبار حكومة الشاهد حكومة النهضة أو أن الشاهد هو مرشح الحركة للانتخابات الرئاسية. الشاهد والهروب إلى الأمام وبالرغم من وقوفها إلى جانب الحكومة واصلت النهضة دعوة الشاهد للالتزام بمهامه على رأس الحكومة وبالابتعاد عن التفكير في 2019 في حين لم يقدم الشاهد موقفا واضحا من المسألة وواصل سياسة الهروب إلى الأمام، في المقابل واصلت النهضة دعمها له بعد أن قدمت له ضمان تمرير مقترح وزير الداخلية والتصويت لفائدة المقترح، هدية يدرك الشاهد أنها لن تتكرر، وما عليه إلا القبول بالأمر الواقع وإعلان التزامه بإنجاح ما تبقى من عهدته الحكومية وإنجاح انتخابات 2019 دون ان يكون مرشحا فيها كما حصل سابقا مع الباجي قائد السبسي في 2011 ومهدي جمعة 2014، حيث سيتحول عدم ترشح رئيس الحكومة إلى عرف وتقليد سياسي في بلادنا. ويبقى السؤال الأهم ماذا لو التزم الشاهد بقرار مجلس الشورى تجنبا لإحراج ممكن أثناء قانون المالية، هل سيبقى وزراء الشاهد أم سيخيرون الرحيل؟ هكذا أمر يدفع للقول إن التحوير الوزاري سيكون أسهل مما كان منتظرا، فبعض الوزراء سيخيرون العودة إلى حكومة ما بعد 2019 من بوابة البرلمان، وقد عاشت بلادنا تجارب مماثلة بُعيدة الثورة. ولا يبدو موقف الشورى وإمكانية إعلان الشاهد عن عدم ترشحه لانتخابات 2019 بعيدا عن سياقات التوافق بين رئيس الحركة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة. اتفاق بين الشيخين ! وبعيدا عن حكومة الشاهد فمازالت مسالة المساواة في الميراث من بين النقاط الخلافية داخل المجتمع التونسي الذي انقسم إلى معسكر رافض وآخر قابل به وقد حسمت حركة النهضة موقفها من الموضوع وأكدت «التمسك بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة، وعبرت عنه مجلة الأحوال الشخصية» كما أكد بيان مجلس الشورى «أنّ مبادرة المساواة في الإرث فضلا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع». وبمجرد الإعلان عن هذا الموقف حتى سارع العديد من المتابعين للتساؤل عن واقع الفصل بين الدعوي والسياسي اثر المؤتمر العاشر، وقد وصف آخرون موقف الشورى من الميراث بأنه مصالحة بين الحركة وجمهورها السياسي وقد رأى آخرون أن موقف الشورى من المساواة لم يخرج من مربع التوافق وقد برروا رأيهم هذا بالقول»إن موقف الشورى هو نتيجة اتفاق سابق بين الغنوشي والباجي، فرئيس الجمهورية سيتخلى عن موقفه من الميراث مقابل دعم الحركة بالتمديد له بسنتين إضافيتين بقصر قرطاج». هكذا موقف كشفه الصديق الشخصي للباجي قائد السبسي ومستشاره السابق بولبابة قزبار والذي دون على صفحته الرسمية يوم الخميس الماضي «غير مستبعد أن صديقي الباجي قائد السبسي قد يمدد في دورته الرئاسية سنتين أو يترشح لدورة ثانية. وفي الحالتين دستور البلاد يسمح بذلك». فهل ينهى التوافق كل أشكال الاحتقان السياسي والاجتماعي؟ ◗ خليل الحناشي فحوى البيان الختامي لمجلس شورى النهضة انعقدت الدورة 21 لمجلس شورى حركة النهضة يومي 25 و26 أوت الجاري حيث بحثت أهم القضايا السياسية والاقتصادية الوطنية وما تواجهه بلادنا من تحدّيات والحلول المقترحة لتجاوزها. وبعد نقاش مستفيض أكدّ مجلس الشورى على ما يلي، وفق ما جاء في نص البيان: 1. تمسّكه بخيار التوافق لتجاوز كل صعوبات هذه المرحلة وتأكيده على ضرورة العمل المشترك مع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية لتجاوز الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ تعليق العمل باتفاقية قرطاج 2. 2. انشغاله الكبير بتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانعكاساتها المباشرة على المقدرة الشرائية للمواطن رغم وجود بعض المؤشرات الايجابية. كما يدعو المجلس الحكومة إلى إنفاذ الإصلاحات دون تردد وتشريك أوسع للخبراء والأحزاب والمنظمات في صياغة مقترحات عملية لتجاوز الصعوبات الاقتصادية والضغوطات على المالية العمومية ومقاومة الفساد والتخفيف من وطأة تلك الصعوبات على الفئات الضعيفة والهشة مع ضرورة دعم الاستثمار واستحثاث نسق التصدير والعمل على التحكم في الأسعار. 3. حاجة البلاد إلى حكومة مستقرة ومنصرفة كليا إلى تجسيم الإصلاحات والتصدي للتحديات وتهيئة البلاد لانتخابات 2019 دون أن يكون أعضاؤها معنيين بالترشح وذلك ضمانا لنجاحها في مهامها. 4. يسجل بكل فخر أهمية نجاح البلاد في تنظيم الانتخابات البلدية التي أفرزت مجالس متنوعة انطلقت منذ تركيزها في العمل بروح عالية من المسؤولية. ويدعو المجلس إلى توفير كل الظروف المناسبة للبلديات وتذليل كل الصعوبات أمامها لتؤدي عملها في خدمة المواطنين على أكمل وجه. 5. مطالبته هيئة الحقيقة والكرامة بضرورة التسريع في إنهاء البتّ في ملفات ضحايا الاستبداد لاسيما وحالة الكثير منهم تسوء يوما بعد يوم دون تحقيق أي تقدم كما فقدت البلاد بعضهم تباعا بسبب التهميش والإهمال الصحي دون حصولهم على أبسط الحقوق. 6. التزام الحركة بتطوير حقوق المرأة والرفع من منزلتها في القانون والواقع، والتمسك بقيم العدل والإنصاف. وقرر مجلس الشورى التمسك بنظام المواريث كما ورد في النصوص القطعية في القرآن والسنة، وعبرت عنه مجلة الأحوال الشخصية. ويؤكد أنّ مبادرة المساواة في الإرث فضلا عن تعارضها مع قطعيات الدين ونصوص الدستور ومجلة الأحوال الشخصية فهي تثير جملة من المخاوف على استقرار الأسرة التونسية ونمط المجتمع. ويدعم المجلس كل مسعى لتطوير المجلة، بما يسهم في ضمان حقوق المرأة، وبما لا يتعارض مع النصوص القطعية في الدين ونصوص الدستور.