عطلة مطولة تلك التي منحتها القنوات التونسية لنفسها طيلة الصيف ونحن في أيامه الأخيرة، حيث فرضت كل القنوات تقريبا -بعد حمى برامج رمضان والتنافس على نسب المشاهدة -على مشاهديها برامج اعتبرها المشاهدون مملة أو تافهة أو مسيئة للمجتمع عند بثها أول مرة فما بالك بعد إعادتها وتكرارها مرارا في أوقات مختلفة من اليوم، ما عدا قناة «نسمة» التي واصلت مصافحة مشاهديها بالبرامج الإخبارية والملفات الجديدة كامل اليوم وخصصت السهرات لبث عدة مسلسلات ولو أن بعضها يعاد بثه. بعض هذه البرامج المعادة تتمحور حول أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وكوارث شهدتها تونس في خريف سنة 2017 وشتاء وربيع سنة 2018، أعيد بثها دون تحيين أو إشارة إلى أنها برامج إخبارية قديمة حتى أننا رأينا في قناة «الحوار» مثلا مسؤولين أو «خبراء» يتحدثون ويفتون ويدلون بدلوهم في أخبار قديمة تتواصل تداعياتها وتتشابه ظروفها مع أحداث جديدة وهم في الحقيقة مستقيلون أو تمت إقالتهم وتعويضهم بمسؤولين أو «بوجوه جديدة». فغرقى «الحرقة» أو الهجرة غير النظامية الذين يلفظهم البحر مثلا من الحوادث التي تجدّ تقريبا بصفة يومية على سواحلنا التونسية وخاصة السواحل الجنوبية الشرقية، والقنوات التلفزية التونسية تغطيها وتتناولها بالتشخيص والتحليل.. هذه الفواجع حتى وان تفاوتت في حدتها وتنوعت في أسبابها ونتائجها فإنها تبقى، ضربات ووخزات موجعة للمجتمع التونسي مؤثرة ومفزعة لاشتمالها أولا على اهانة كبيرة للذات البشرية وثانيا على سؤال كبير وهو إذا كان الشباب يحرق لقلة فرص العمل ولقلة ذات اليد فلماذا يحرق الأطفال والنساء الحوامل ومن أين لهؤلاء الحارقين كل هذه الملايين والدينارات التونسية؟ طبعا تداعيات «الحرقة» سواء غرق أصحابها في البحر ونهش الحوت أجسادهم أو وصلوا إلى السواحل الايطالية ووجدوا أنفسهم في معتقلات أو مرحّلين تتناولها قنواتنا التلفزية العمومية والخاصة بصفة آنية وبكثير من الإثارة ولكن ينسى المشرفون على قنواتنا انه لا بد من الإشارة إلى أنها أخبار قديمة عند إعادة بثها. صحيح هم يكتبون على الشاشة كلمة إعادة ولكننا لا نعرف أنها إعادة الإعادة لان التلفزات كلها تعيد برامجها بعد ساعات أو في اليوم الموالي من بثها حتى خلال برمجتها الشتوية، وعلى حد علمنا فان العادة جرت على أن تعيد كل القنوات العربية والأجنبية خلال الصيف برامجها ولكنها لا تعيد بث الأخبار الآنية والملفات التي تتبعها حتى لا يحصل التداخل في ذهن المشاهد ويعتبر أنها أخبار جديدة وإنما يتم إدراجها في إطار حوصلات وبرامج وثائقية. وإذا رامت القنوات إعادة بث الأخبار فلعلّه من الضروري التأكيد على تحيينها والإشارة إلى أنها أخبار قديمة (بثت بتاريخ كذا كذا...).