بعد أن أعلن محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي مؤخرا عن إعداد البنك المركزي دراسة حول إمكانية اقتراض بلادنا العملة الصعبة من الجالية التونسية المقيمة بالخارج، تباينت الآراء والمواقف بين التونسيين حول هذه الفكرة ومدى نجاعتها في الوقت الراهن على اقتصاد البلاد الذي يعاني من أزمات متواصلة على رأسها انزلاق العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية وتناقص مدخراتنا الوطنية من العملة الصعبة. ففي الوقت الذي اعتبر فيه عدد من المتدخلين في الشأن الاقتصادي أن هذه الفكرة ضرورية لاستقطاب العملة الأجنبية من الخارج في ظل استحالة توفيرها من مصادر أخرى على غرار التصدير الذي عرف تراجعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، أكد شق آخر منهم أن هذه الفكرة لن تحقق الأهداف المرجوة لعدة أسباب أهمها عزوف التونسيين المقيمين بالخارج عن الاستثمار في بلادنا منذ سنوات. وأفاد المختص في الشأن الاقتصادي محمد الجراية ل"الصباح" في هذا السياق، بان فكرة الاقتراض التي أعلن عنها محافظ البنك المركزي وان كانت عملية ممكنة، إلا أنها لن تكون ناجعة في تعبئة موارد هامة من العملة الصعبة باعتبار أن المستوى الذي وصلت إليه تمويلات التونسيين المقيمين بالخارج هذه السنة دون المطلوب، كما عرف تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة ومازالت شحيحة. وأضاف الجراية في تصريحه ل "الصباح" أن التونسيين المقيمين بالخارج اختاروا وجهات أخرى لصرف أموالهم بالعملة الصعبة من سنة إلى أخرى بعيدا عن تحويلها إلى الوجهة التونسية، مشيرا إلى أن هذه الفكرة لن تشجع الجالية التونسية بالأقطاب الخارجية على استثمار أموالهم في تونس ولا حتى جلبها لصرفها في بلادنا. وفي علاقة هذا الاقتراض بخروج تونس للأسواق المالية الدولية، بين الجراية أن تونس اليوم مطالبة بإيجاد أفكار وحلول جديدة للاقتراض باعتبارها ضرورة مفروضة وليست خيارا من اجل إنعاش اقتصادنا العليل، وهو ما يؤكد أن بلادنا مازالت مصرة على الخروج للاقتراض لتعبئة موارد إضافية. وبين الجراية في ذات السياق، أن كل المؤشرات الاقتصادية التي تعرفها تونس في الآونة الأخيرة لا تشجع اليوم شركاءها ولا المؤسسات المالية المانحة على إقراض بلادنا، كما لا تقدم الضمانات الكافية إليهم، وهذا الوضع سيؤدي إلى تأجيل الخروج للأسواق المالية الدولية إلى ما بعد شهر أكتوبر. ويأتي هذا الاقتراض حسب محافظ البنك المركزي في إطار إنعاش مخزوننا الوطني من العملة الصعبة الذي يعرف في الفترة الأخيرة تناقصا ملحوظا وصف ب"التاريخي" بعد أن نزل عن الخط الأحمر المُقدّر ب90 يوما من التوريد واستقراره منذ غرّة أوت الجاري في حدود 10742 مليون دينار أي ما يُعادل 70 يوم توريد. ويذكر أن فكرة الاقتراض من التونسيين أو ما يعرف بالاكتتاب لم تكن جديدة بل تم إطلاقها في ثلاث مناسبات ما بعد الاستقلال وكان آخرها الاكتتاب الوطني أو ما يعرف بالاكتتاب الداخلي الذي كان قد أطلقه وزير الاقتصاد والمالية حكيم بن حمودة في حكومة مهدي جمعة تحديدا منذ سنة 2014 وقد حدد أعلى سقف للاكتتاب بمليار دينار تونسي وكان موجها إلى التونسيين في الداخل التونسي في حين أن الفكرة الجديدة للاقتراض بالعملة الصعبة موجهة بالأساس إلى الجالية التونسية بالأقطاب الخارجية دون غيرها. وفي انتظار تفعيل مشروع محافظ البنك المركزي في قادم الأيام، تبقى فكرة الاكتتاب عموما من بين الحلول الهامة في الوقت الراهن من اجل إنعاش مخزوننا الوطني من العملة الصعبة في ظل تدني كل المؤشرات الاقتصادية في البلاد...