بقلم : الاستاذ السيد بن حسين المحامي والباحث القانوني - تنشر «الصباح» في عددها الصادر اليوم الجزء الثالث والأخير من رأي قانوني كتبه الاستاذ السيد بن حسين المحامي حول جريمتي المسك بنية الاستهلاك واستهلاك لمادة مخدرة في ظل القانون الجديد. «لقد تأكد للمشرع التونسي حسب الأرقام وعدد السجناء الموقوفين أنّ القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 و المتعلق بالمخدرات لم يحد من نسب وأعداد جرائم المسك والاستهلاك للمواد المخدرة، وبالتالي بات من الضروري مراجعته وتنقيحه وخاصة فيما يتعلق بتشديد العقوبة على التاجر والمروّج وتخفيفها وفق الحالات على الماسك والمستهلك، خاصة أنّ الدول المتقدمة تعتبرهم ضحايا لا مجرمين إذ لا يكفي استغلالهم من طرف عصابات ترويج المخدرات وذلك بالاستيلاء على أموالهم ثم يتسببون بعد ذلك في رميهم داخل السجون وتحطيم مستقبلهم الدراسي والاجتماعي والوظيفي. ونظرا لغلق باب الاجتهاد أمام القاضي التونسي تدخل الرئيس التونسي السيد محمد الباجي قايد السبسي من خلال خطابه الشهير خلال حملته الانتخابية، ونادى بدوره بضرورة إجراء تنقيح للقانون الزجري المتعلق بتعاطي المخدرات، كما نادى أيضا بضرورة تخفيف الأحكام على الماسكين والمستهلكين للمواد المخدرة لأول مرة، وقد لقي هذا الخطاب ترحابا كبيرا لدى العائلات التونسية. وبتاريخ 25 افريل لسنة 2017 صادق مجلس نواب الشعب على مشروع قانون جديد يتعلق بتنقيح جزئي لقانون المخدرات لسنة 1992 ليضع بذلك حدا لمعاناة ألاف الشباب الذين سجنوا من اجل الجريمتين المذكورتين وقد صوت 133 نائب ب»نعم» و2 ب «لا» و5 نواب «احتفظوا بأصواتهم». وقد جاء بالقانون عدد 39 لسنة 2017 المؤرخ في 8 ماي 2017 يتعلق بتنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات ما يلي فصل وحيد تُلغى أحكام الفصل 12 من القانون عدد 52 لسنة 1992 المؤرخ في 18 ماي 1992 المتعلق بالمخدرات وتُعوّض بالأحكام التالية: الفصل 12 (جديد): لا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصلين 4 و8 منه. و بالاطلاع على أحكام الفصل 12 جديد الذي حل محل الفصل 12 قديم نستنتج، أن القاضي العدلي أصبحت له سلطة تقديرية واسعة في تفعيل مقتضيات الفصل 53 من المجلة الجزائية، و بالتالي أصبحت ظروف التخفيف واردة و ممكنة في عقوبتي المسك و الاستهلاك لمادة مخدرة(الفصل4 من قانون المخدرات لسنة 1992) أو عقوبة التردد على مكان أعدّ وهيّئ لتعاطي المخدرات (الفصل 8 من قانون 1992). وحيث فتح الفصل 12 جديد المجال أمام المتهمين بارتكاب جرائم المسك بنية الاستهلاك واستهلاك لمواد مخدرة لأول مرة أو التردد على مكان أعدّ وهيّئ لتعاطي المخدرات مثل الحانات و المقاهي والغرف المسوغة أو لإحدى الجرائم (مسك أو استهلاك أو تردّد على مكان به مخدرات) إمكانية الإفراج والعفو عنهم وإعطائهم فرصة للعودة إلى الجادة والابتعاد عن المواد السامة والقاتلة. ويفهم من الفصل 12 جديد أيضا، أن ظروف التخفيف شملت ثلاثة أنواع متعلقة بجرائم المخدرات دون سواها وهي، جريمة المسك وجريمة الاستهلاك وأخيرا جريمة التردد على مكان مخصص لتعاطي المخدرات، وبالتالي فإن المتهمين بجرائم أخرى تتعلق بالمواد المخدرة لا يمكنهم الاستفادة من ظروف التخفيف التي نص عليها الفصل 12 جديد والواردة بالفصل 53 من المجلة الجزائية، أي أنّ المتهمين في جرائم «الإحالة» أو «التوسط» أو «الترويج» أو «الاتجار» في المخدرات لا يمكنهم التمتع بظروف التخفيف، مع الإشارة أن جريمتي الترويج والاتجار في مادة مخدرة مدرجة بالجدول (ب)، هما بدورهما جريمتين مختلفتين على اعتبار أن جريمة الاتجار في المخدرات عقوبتها أشد من عقوبة الترويج. لكن يجب التذكير أيضا في هذا السياق بأن الفصل 12 جديد أعطى للقاضي الاجتهاد المطلق في اختيار العقوبة المناسبة والملائمة، وبحسب الحالات، أي لا شيء يمنعه قانونا من تسليط عقوبات سجنية وخطايا مالية رغم التنقيح الذي ورد على قانون المخدرات لسنة 1992، أي انه يدرس الحالات الواحدة تلو الأخرى و يطّلع على الظروف و الملابسات التي أحاطت بالقضية، ويتمعّن جيّدا في الوضعية الاجتماعية لكل متهم، ثم يصدر حكما يتماشى مع الأوراق المظروفة بملف القضية، لكن وإقرارا للحق، فإن أغلب الأحكام التي تصدرها الدوائر الجناحية بالمحاكم الابتدائية والاستئنافية التونسية تكون في غالب الأحيان مخففة إذ تكتفي بتسليط عقوبات مؤجّلة التنفيذ (سورصي) مع خطيّة مالية، خاصة إن كان المتهم تزلّ به القدم لأوّل مرة أو إن كان صغير السنّ أو طالب أو موظّف أو نقيّ السوابق العدلية أو إن كان له عمل قار. كما أن السادة حكام التحقيق توخوا نفس المنهج تقريبا، إذ عادة ما يأذنون بإبقاء المتهمين المرتكبين لإحدى الجرائم الثلاثة المنصوص عليها صلب أحكام الفصل 12 جديد (مسك أو استهلاك أو تردّد على مكان لتعاطي المخدرات) بحالة سراح، ليتم استدعائهم لا حقا للمثول أمام إحدى الدوائر القضائية المختصة. وفي الختام لا يسعني إلا أن اذكر بأن المخدرات هي آفة اجتماعية خطيرة اجتاحت كامل أنحاء المعمورة، وهي تشغل العالم اجمع، لما لها من أثار تدميرية على المجتمعات والأفراد على حد السواء، الشيء الذي جعل أغلب دول العالم تبذل الكثير من الجهد والمال للحد من انتشارها، وذلك بالتعاون المشترك وبالتنسيق الاستخباراتي واللوجيستي والمعلوماتي فيما بينها.